بسم الله الرحمن الرحيم
كيف تحمي نفسك من الغضب ؟
[align=right]قد لا تكون رأيتَ بركاناً حقيقياً ، لكنّك قد تكون شاهدته في فيلم تسجيلي يصوّر مشاهد أو مراحل انفجار البركان .. كيف يتململ في البداية .. وكيف تأخذ أوداجه بالانتفاخ ، ثمّ يغلي غلياناً سريعاً ، ثمّ ينفجر قاذفاً بحممهِ النارية التي تحطّم كلّ شيء حولها .
وقد تكون رأيت حيواناً مفترساً بأمّ العين ، وقد تكون شاهدته في الأفلام العلمية التي تصوّر طباع تلك الحيوانات وتعاملها الوحشيّ مع بعضها البعض ، أو مع سواها من الحيوانات الضعيفة ، ولا بدّ أ نّك لاحظت كيف أنّ الحيوان الضاري المتوحش إذا بلغ به الهياج مداه الأقصى ، فإنّ شعر جسده يقف ، وأذنيه تنتصبان ، وعينيه الحمراوين تحملقان وتكادان تقذفان شرراً ، ولا يهدأ حتى ينتقم من فريسته أو خصمه فيراه مجندلاً أمامه .
ولا بدّ أيضاً إنّك شاهدت كيف يولد الإعصار .. حيث ينفعل الهواء بصورة غريبة ومخيفة تلفت الإنتباه ، ثمّ تتصاعد حركته على شكل دوائر لولبية تنذر بشرّ مستطير ، ثمّ يصل ذروته في اقتلاع واكتساح وجرف كلّ ما يقف في طريقه .
والفيضانات هذه الأيام كثيرة وخطيرة نتيجة ما يسمّى بـ (الإحتباس الحراري) ولعلّك تتابع ما يفعله الفيضان إذا اجتاح المدن والقرى ، فهو لا يترك بيتاً ولا متجراً ولا مزرعة إلاّ ودمّره .
بِمَ تذكّرك هذه المشاهد على الصعيد الانساني ؟
ألا ترى أنّها شبيهة ـ إلى حدّ كبير ـ بمشهد الانسان الغاضب الذي يحتدم غيظاً ، ويتفجّر حمماً ، وتحمرّ عيناه ، ويقف شعر رأسه ، ويغلي الدم في عروقه ، ويزبد ويرعد ويتحوّل إلى إعصار مدمّر ، أو فيضان خطير ، أو حيوان مفترس أو بركان يتفجّر .. ؟
إنّ أوّل المتحطمين ـ في الانسان الغاضب ـ هو أعصابه الهائجة الثائرة المحترقة التي يتصاعد لهبها فيندلق على لسانه ومن عينيه وفي حركاته المتشجنة .
تحليل الغضب :
الغضب هو ثورة الأعصاب ، وهو حالة من الإنسياق الجارف مع الموقف الانفعالي الذي يسرق زمام النفس من (العقل) و (الإرادة) المتحكّمة ليُسلمه بيد (الغريزة) ، والغريزة عوراء لا ترى إلاّ بعين واحدة .
فالعقل والإرادة والرويّة والصبر والتريّث والتماسك ، كلّ هذه الأجهزة تتعطّل ـ كوساطات حميدة ـ أثناء اشتعال الغضب واندلاع نيرانه ، فلا يكون لها أيّ دور في إيقاف هذه الحالة الثورانية ـ من هياج الثور ـ المكتسحة المدمّرة ، أي انّها تترك ـ مجبرةً ـ الحبل على الغارب للغريزة التي استجاشت واستشاطت إثر وخزة ، أو إثارة خارجية ، أو احتقان داخلي ، ولم يردّها إلى رشدها أيّة دعوة للانضباط والتماسك والسيطرة على جماحها .
اُنظر إلى حالة (الثور الهائج) .. تأمّله جيِّداً .
هل رأيت (مصارعة الثيران) وكيف يتحوّل الثور الطعين إلى وحش مفترس يطيح بمصارعه ويضرب في كل اتجاه بقرونه التي تكاد تخرج من رأسه لتطعن من طعنه في ظهره طعنات حادة جعلت الدم يغلي في عروقه .
إنّ الغاضب وهو تحت سورة الغضب لا يرى بعينيه بل بعيني غضبه ، والغضب ـ بحسب طبيعته ـ أعمى لا يرى إلاّ التدمير ، وهو كالجوعان الذي عضّه الجوع لا يتردد في أكل أي شيء ، فهذه غريزة وتلك غريزة ، ولكنّ الغضب حالة جنونية يغيب فيها العقل وتحلّ الغريزة مكانه ، وفي التحليل النهائي فإنّ الغضب يتحرك في الداخل كما يلي :
شرارة خارجية Ñ احتدام واشتعال نفسي Ñ حريق هائل Ñرماد هامد خامد .
فإنّ الغضبان حينما يقذف بحممه يتطامن كالبركان ، ولكنّه لا يعود إلى هدوئه دفعة واحدة وإنّما ينطفئ تدريجياً ، وقد يعاود الإشتعال من جديد إذا كان دافع الغضب أو المثير يبقى يمارس الاستفزاز معه ، كما أنّ البركان الذي ينفجر ، ويبدو في الظاهر أ نّه قد سكن ، إلاّ أ نّه قد يعود إلى قذف حممه من جديد .
وهذا التوصيف أو التحليل ورد في أحد الأحاديث الشريفة :
«إنّ هذا الغضب جمرة من الشيطان توقد في قلب ابن آدم ، وإنّ أحدكم إذا غضب احمرّت عيناه وانتفخت أوداجه ودخل الشيطان فيه ، فإذا خاف أحدكم ذلك من نفسه فليلازم الأرض فإنّ رجز الشيطان يذهب عنه عند ذلك» .
والغاضب غضباً سلبياً كثيراً ما يقع في الندم ، أي أ نّه بعد أن يكون قد استعر غضبه ورمى بحممه وجمرات غضبه ليحرق أعصابه وأعصاب مَنْ حوله ، يثوب إلى رشده ، ويراجع حالة الهياج التي أصابته فيخجل من نفسه ويستشعر الندم ، لأ نّه يرى أن حالته الغاضبة الهائجة الثائرة أخرجته عن طوره ورسمت في أذهان الذين شاهدوه ـ وهو يزبد ويرعد ـ صورة مقرفة وراثية مشفقة ، حتى أ نّه يشعر بالحرج الشديد إذا نظروا إليه بعد ذلك ، لأ نّه هو شخصياً لم يعد راضياً عمّا جرى .
إيجابيات الغرائز وسلبياتها :
أيّة غريزة من غرائزك التي أنعم الله بها عليك سلاح ذو حدين . فغريزة الجوع تتحرك لتنذرك أنّ خزان الوقود في داخلك نفد أو أوشك على النفاد فتداركه ، أي أن إشارات أو إيعازات الإحساس بالجوع تنبّهك إلى أ نّك تحتاج إلى طاقة جديدة تستطيع بواسطتها المواصلة . وهي نفسها إذا علا صراخها وأنشبت في المعدة أظفارها ولم يجد الانسان قوته أو ما يلبّي به نداءها الطاغي الملحّ ، لجأ إلى السرقة وربّما القتل أو تناول الحرام .
وغريزة الجنس أرادها الله مركّبها في الانسان أن توظّف في الطريق السويّ السليم ، أي الطريق الشرعي وهو (الزواج) لتحفظ بقاء الانسان وامتداد سلالته في الأرض ، ولتؤمّن الاستقرار النفسي والانجذاب الغريزي إلى الجنس الآخر والاستمتاع بهذه اللذّة النعمة ، ولتجعل الجنسين حريصين على إنشاء الأسرة التي هي نواة المجتمع ، ويندفعان لتربية الأولاد وحمايتهما من المخاطر والشرور .
لكنّ الغريزة الجنسية إذا جمحت واشتعل أوارها واستبدّ سعيرها ولم توضع في طريقها السدود التي تحول دون طغيانها ، فإنّها تندفع إلى اقتراف المحرّمات لإشباع حاجتها ، فلا تتردد في اقتراف الزنا واللواط والسحاق والإعتداء الجنسي على الأطفال أو الحيوانات والإغتصاب وغيرها من الجرائم الجنسية التي يكثر الحديث عنها في الصحف والمجلاّت .
وغريزة الغضب والإنفعال غريزة مودعة في صميم الكيان الانساني للحفاظ على حياة الانسان إذا داهمته الأخطار ، وهي التي تجعله يدافع عن نفسه وماله وعرضه ومقدساته إذا تعرّضت للانتهاك أو المساس بها بسوء أو النيل منها بأيّ شكل من الأشكال . فإذا كان الانسان الذي يتعرض للإهانات والإذلال لا يلتقط الإهانة ولا يستشعر بجرح الكرامة فإنّه يصل إلى مرتبة أدنى من الحيوان ، لأنّ بعض الحيوانات تعيش الدفاع عن نفسها إن هي تعرضت إلى الاضطهاد ، أو تعرّض موطنها للإحتلال ، كما تدافع بحماسة وشراسة عن أولادها وصغارها وأليفها من أنثى الحيوان .
والغضب هو الذي يدفع إلى المحافظة على النظام وتطبيق الأحكام ، لأ نّه إذا حصلت التجاوزات والاختراقات ولم يكن هناك نظام جزائي أو ردعي أو تأنيبي فإنّ «مَنْ أمِنَ العقوبة أساء الأدب» ولذا فإنّ غضبك لله ولدينك ولقيمك هو الذي يوقف المعتدين عند حدّهم ، بل ويردّ كيدهم إلى نحورهم ، وهذا هو الوجه الإيجابي للغضب في استثارة غيرة المجاهدين ليهبّوا إلى سوح الوغى والجهاد ضد أعداء الله والأمّة .
فالغضب كغريزة له فوائده التي لا تنكر ، وأمّا المذموم منه فهو الإفراط فيه ، واستخدامه في غير محلّه ، تماماً كما هو الإفراط في الطعام والجنس والخوف ، ذلك أنّ الغضب المستشيط «يفسد الإيمان كما يفسد الخلّ العسل» . وهو الذي نحاول مناقشته هنا .
دواعي الغضب :
تختلف دواعي الغضب باختلاف نوعه ، فالغضب الإيجابي يتحرك في إطار :
1 ـ نقد الظواهر السلبية المدانة التي تشكّل انتهاكاً لقانون مدني ، أو حكم شرعي ، أو عرف اجتماعي .
فأنت إذا رأيت شخصاً يخالف نظام المرور ، أو يرمي القمامة في غير الأماكن المخصّصة لها ، أو يخالف التعليمات المنصوص عليها في المستشفيات وأماكن النزهة أو المدرسة أو غيرها ، تغضب لأ نّه عدوان على السلامة والبيئة .
وإذا رأيت زميلاً يمدّ يده ليسرق من حقيبة زميل آخر ، تغضب لأنّ السارق هنا يقوم بحالة اعتداء سافرة على مال الغير ، ويدفعك الغضب للتدخل لمنع السارق من القيام بالسرقة حتى ولو كان المال ليس بمالك .
وإذا رأيت شخصاً يعتدي على آخر غائب ، أي ينال منه ومن سمعته ويكشف عيوبه أو يسخر منه ، أو ينتقص من شخصيته ، فإنّك تنتفض غضباً لترد العدوان عنه ، وتوقف المعتدي عن التجاوز على الشخص الغائب لأ نّك ترى أنّ حرمته وهو غائب كحرمته وهو حاضر .
2 ـ الثأر لمقدس منتهك :
كأن ترى مَنْ يعتدي على القرآن الكريم كتابك وكتاب المسلمين المقدس سواء بإهانته بالفعل أو بالقول ، فإن غيرتك على كلام الله المجيد ووحيه المنزل ، تتحرك على شكل غضب يعنّف المعتدين ويمنعهم من التمادي في عدوانهم .
وإذا رأيتَ أو سمعتَ مَنْ يهين أو يسيء أو ينال من قدسية الرسول الأعظم نبيّك ونبيّ الاسلام محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فإنّك تغضب غضباً شديداً لتوقف المسيء أو المعتدي عند حدّه ، بأن تنقد فعله وتؤنّبه وتحاسبه ، بل وترفع دعوى عليه ـ إنّ كان ثمة مَنْ يستمع إلى مثل هذه الدعوى ـ فاقتراف هذه السيِّئة قد يُجرّئ غيره على اقتراف مثلها ، وقد يجرّئه هو شخصياً على غيرها .
وهكذا حينما تقرأ أو تسمع مقالاً فيه تشويه وتشنيع على عقيدة الاسلام وشريعته ، فإنّ الغضب يحملك على أن تردّ على صاحب المقال دفاعاً عن الحقّ والحقيقة ، وقد لا تكون قادراً على الكتابة لكنك تلفت نظر القادرين عليها إلى ضرورة الردّ عليه .
إن غضبك لمقدساتك ليس غضباً شخصياً ، أو عابراً ، أو لشيء لا يستحق الغضب ، إنّما هو غضب مبرّر ومشروع لأ نّه يدافع عن مقدّسات أمّة من الناس ، وإهانته تعني إهانة لك ولأتباع الدين المقدس .[/align]
~*¤ô§ô¤*~يتبع~*¤ô§ô¤*~