أسلحة لا يصنعها البشر
[align=right]
إن الحرب مع الأعداء لا تكاد تعرف إلا منطق القوة سواء كانت هذه القوة هي القوة الحسية المادية أو القوة المعنوية الغيبية ، لذا قال الله تعالى: وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا تظلمون {الأنفال: 60} .
ومن الخطأ الفادح أن تقيّم معادلة القوة بالنظر إلى أحد جانبيها: (الحسي أو المعنوي) مع إغفال الجانب الآخر. وأعظم من ذلك خطأًًُ الاعتماد على جانب دون الجانب الآخر، كمن يعتمد فقط على نصر الله لعباده المؤمنين إنطلاقاً من قوله تعالى: ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين ـ إنهم لهم المنصورون وإن جندنا لهم الغالبون {الصافات: 171 - 173} فيدعوه ذلك إلى ترك الأخذ بالأسباب المادية ، أو يرى أن عدم التكافؤ في الأسباب المادية يوجب الهزيمة والاستسلام ، ويظن أن مواجهة الأعداء مع عدم التكافؤ المادي الحسي (التكنولوجي) إلقاء بالنفس إلى التهلكة، والحق أن قوله تعالى: ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة {البقرة: 195} جاء في سياق الآيات وهي تلفت النظر إلى الجانب الأهم للقوة وهو جانب معية الله لعباده المتقين ، قال تعالى: فمن \عتدى" عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما \عتدى" عليكم واتقوا الله واعلموا أن الله مع المتقين 194 وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إن الله يحب المحسنين {البقرة: 194، 195} قال ابن عباس }: "ليس التهلكة أن يُقتل الرجل في سبيل الله ولكن الإمساك عن النفقة في سبيل الله"(1).
وقد روى ابن جرير الطبري بسنده عن أسلم أبي عمران أن رجلاً من الصحابة في غزوة القسطنطينية حمل على العدو حتى دخل فيهم ثم خرج إلينا مقبلاً فصاح الناس وقالوا : سبحان الله ألقى بنفسه إلى التهلكة فقام أبو أيوب الأنصاري صاحب رسول الله { فقال: أيها الناس إنكم تتأولون هذه الآية هكذا أن حمل رجل يقاتل يلتمس الشهادة أو يبلى في نفسه إنما نزلت هذه الآية فينا معاشر الأنصار ، إنا لما أعز الله دينه وكثر ناصروه ، قلنا فيما بيننا بعضنا لبعض سراً من رسول الله {: إن أموالنا قد ضاعت فلو أنا أقمنا فيها فأصلحنا ما ضاع منها، فأنزل الله في كتابه يرد علينا ما هممنا به ، فقال تعالى: وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة {البقرة: 195}.
فالإلقاء بالأيدي إلى التهلكة أن نقيم في أموالنا ونصلحها ، وندع الجهاد قال أبو عمران: فلم يزل أبو أيوب يجاهد في سبيل الله حتى دفن بالقسطنطينية (2).
إذاً مواجهة أهل الإيمان لعدوهم الذي يتفوق عليهم بالعدة والعدد مهما كان الفارق بينهم ومهما ملك العدو من وسائل الحرب المتطورة ليس من الإلقاء بالنفس إلى التهلكة إذا بذلوا ما في وسعهم لإعداد العدة (الحسية والمعنوية) لمواجهة عدوهم ولو كان شيئاً يسيراً فإن الغلبة والنصر إنما هي من عند الله كما قال تعالى: وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم {آل عمران: 126}.
ويزيد الأمر وضوحاً إذا عرف المؤمن أن معادلة القوة تكون لصالحه إذا كان يملك (إلى جانب ما يستطيع أن يعده من القوة الحسية) ، تلك الأسلحة التي لا يمكن لقوى الأرض كلها أن تقف أمامها وهي ما يمكن أن نسميها (الأسلحة التي لا تصنعها الحضارات) ونقصد بها:[/align]