القسم الثالث
دخول القوات العراقية إلى الكويت
يجدر القول بأن الخطة التي كانت موضوعة من قبل القيادة العسكرية العراقية تقضي باحتلال جزيرتي وربة وبوبيان فقط، حسب الخرائط والتوجهيات التي كانت أعطيت من قبل للقائد الذي تولى العملية ولضباط الجيش العراقي.
ذلك أن العراق يعتبر هاتين الجزيرتين حق ثابت له لانزاع فيه. لكن حدث تغيير للخطة في اللحظات الأخيرة. وهذا أكبر دليل على أنه فعلا لم تكن هناك نية عراقية لضم الكويت، بل الأمر كله لايعدو أن يكون مجرد تأديب لآل الصباح وبمعنى آخر ترهيب.
وأيضا لم يكن في وارد الجيش العراقي الاقتراب - مجرد الاقتراب - من الحدود السعودية على الاطلاق، وسوف نعود لهذه النقطة بالتحديد لاحقا.
كان السفير الأمريكي في الكويت قد وضع خطة محكمة بالتعاون مع السي آي ايه والشيوخ لانقاذهم في حالة ما اذا نفذ الرئيس صدام تهديده وارسل الجيش لدخول الكويت، ففي الساعة الأولى من صباح يوم 2/8/1990 كان بعض العمال والخدم والحاشية مشغولين بإعداد الحقائب وحمل ما خف وزنه وغلا ثمنه، يعملون مثل خلية النحل داخل قصر دسمان الفاخر والواقع على شاطيء البحر، وانشغل آل الصباح بالاتصال ببعضهم البعض، فيما كان البعض منهم قد بدأ فعلا بمغادرة البلد عن طريق البر متجها إلى الطائف.
وعند الساعة الرابعة فجرا وصل جابر وبصحبته عدد من افراد العائلة وبعض الشيوخ والحاشية إلى السفارة الأمريكية حيث كان السفير ناثانيان هول في استقبالهم، فتم ترحيل جابر وبعض افراد الأسرة بالطوافات العمودية، وبقية أفراد الأسرة والخدم والحاشية توجهوا بالسيارات برا إلى الطائف في السعودية.
أما سعد، فقد كان متجها إلى السعودية بطريق البر، حيث أعطى بعض الأوامر لأجهزة الدولة والحرس الوطني تنفيذا لما سمي وقتها خطة الطواريء، وقد كان عصبيا وثائر الأعصاب ومنفعلا إلى أقصى درجة، فاتصل على الفور بالسفير الأمريكي الذي أكد له أن جابر وعائلته وبعض أفراد الأسرة والحاشية قد تم ترحيلهم إلى الطائف، لكن سعد قال له على الفور: نحن نعتمد عليكم، وهذا هو الظرف الذي تثبت فيه أمريكا صداقتها للكويت وتثبت للعالم كله احترامها لتعهداتها.
لكن السفير سأله: هل اعتبر ما قلت طلبا رسميا من حكومتكم بالمساعدة الأمريكية؟
فرد سعد بدون انتظار: طبعا نحن نطلب مساعدتكم.
فسأل السفير: هل هذا رأيك أم رأي الحكومة؟
فرد سعد: هذا طلب من الحكومة.
ثم اتصل سعد بجابر الذي كان قد وصل إلى الخفجي ليخبره بما دار بينه وبين السفير الأمريكي، فاثنى جابر على خطوته طالبا منه إعادة الاتصال بالسفير وإخباره أن الامير بنفسه يطلب هذه المساعدة وأنه باعتباره ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء يعززه مرة أخرى. ففعل سعد ذلك وأضاف قائلا للسفير: الكويت أميرا وحكومة وشعبا لا أمل لهم الآن إلا في الرئيس بوش وصداقة الشعب الأمريكي.
وصل جابر الى حفر الباطن قادما من الخفجي ثائرا هائجا واصفا العراقيين بالكفار وكان في حالة ثورة عارمة يرغي ويزبد القول ما يعلم وما لايعلم، واتصل مع الملك فهد يقول له انه لابد من اخراج العراقيين اليوم، لانهم اذا باتوا ليلتهم فلن يخرجوا من الكويت ابدا، حاول الملك فهد قصارى جهده تهدئة ثورته وطلب من عبد الله ارسال طائرة خاصة له تحضره إلى جدة للقائه وطمأنته.
أشترك في الهجوم على الكويت، من ثلاثين إلى أربعين ألف جندي من الجيش والحرس الجمهوري، وليس مائة ألف كما أشيع وزعموا يومها، والأغلب أن عدد الجنود لم يتجاوز الخمسة وثلاثين الف جندي، واجهوا في البداية بعض الوحدات العسكرية هنا وهناك التي ما لبثت أن اختفت وحاول بعض الطيارين الكويتيين القيام بطلعات استعراضية ومهاجمة الجيش العراقي، لكنهم ما لبثوا ايضا أن اختفوا بطائراتهم متجهين بها إلى المأوى الآمن في المملكة العربية السعودية.
اتخذت الوحدات العراقية على الفور أماكنها ووصلت إلى مركز المدينة في عصر يوم 2/8/1990، فيما تحصنت وحدات الجيش الكويتي بمواقعها بمدينة الشويخ الواقعة في شمال مدينة الكويت، كما قام رجال الجيش العراقي بإنزال جوي في جزيرتي وربة وبوبيان وأقاموا على الفور تحصينات فيهما وفي جزيرة فيلكة،
وفي منطقة الجهرة الواقعة في غرب مدينة الكويت كان هناك معسكرا لوحدة يطلق عليها اسم كتيبة المغاوير الخاصة، التي وللأمانة قاتلت ببسالة للدفاع عن معسكراتها ولكنها مع الأسف تكبدت خسائر جسيمة.
واستطاع رجال الجيش العراقي اسر من تبقى من تلك الوحدة وإذا بهم كلهم عرب ومن أصول عراقية ومن البصرة تحديدا (فعلق أحد ضباط الجيش العراقي قائلا : لان اصولهم عراقية قاومونا ببسالة، أما ذوي الاصول الفارسية وقوم هشتة بشتة فقد هربوا الى السعودية)
للمصادفة استطاع رجال الجيش العراقي حصر أكثر من مائة وخمسين فردا من هذه الكتيبة امهاتهم عراقيات، فأخلوا سبيلهم. على أن جميع من اسر من افراد تلك الوحدة قد أخلي سبيله فيما بعد حتى قبل بدء العدوان الثلاثيني.
اما بالنسبة لمصير الشيوخ وفهد الأحمد بالتحديد،،
قبل أن نتحدث عن تواجد الجيش العراقي في الكويت، لابد من ان نذكر أنه حين وصلت طلائع القوات العراقية إليها وأحكمت قبضتها، كان جل افراد اسرة الصباح قد رحلوا، وتبعهم فيما بعد بعض كبار الضباط والوزراء والمستشارين والنواب وكبار موظفي الدولة وكبار التجار وعلية القوم في الكويت.
هناك ثلاث روايات تحدثت عن مقتل الشيخ فهد الأحمد
الرواية الأولى تقول:
إنه كان في قصر دسمان مع شقيقه جابر، وحين أزفت ساعة الرحيل رفض الخروج مع من خرج وأقسم أنه سيقاتل حتى النهاية، فعاجله أحد أفراد الأسرة برصاصة حتى لا يزايد عليهم في الشجاعة ويصبح بطلا قوميا بنظر الكويتيين والعرب ويظهروا هم بمظهر الجبان الذي ترك أرض المعركة. فبقي مضرجا بدمه حتى جاء الجنود العراقيون فوجدوه مفارقا للحياة، فغطوا جثته وتم دفنه فيما بعد . (على أن هذه الرواية نشرتها منتديات الانترنت بكثرة وخصوصا قبل العدوان واجتياح بغداد ولم يؤكد أو ينفي أحد صحتها وأغلب أظن أنها غير صحية وملفقة)
الرواية الثانية تقول:
إنه كان في رحلة خارج مدينة الكويت في البر، وحين عاد إلى منزله في ساعة متأخرة من الليل فوجيء بوجود بعض الجنود الذين لم يستطع التعرف عليهم ولاسبب تواجدهم في منزله، وأخرج مسدسا كان معه يطلب إليهم الخروج، وأثناء النقاش معهم بدا وكأنه يهم بإطلاق النار فعاجله أحد الجنود العراقيين برصاصة سقط على أثرها قتيلا.
(هذه الرواية ذكرها الاستاذ محمد حسنين هيكل في كتابه أوهام القوة والنصر صفحة (358 لكن هل يعقل أن فهد وهو شقيق الحاكم لم يعلم بأمر دخول القوات العراقية إلى الكويت ؟ علما بأن أفراد اسرة الصباح اتصلوا مع بعضهم البعض حين علا هدير صوت دبابات الجيش العراقي.
الرواية الثالثة تقول:
إنه كان في رحلة مع أصدقاءه في البر، واتصل به من اتصل من أفراد الأسرة يخبره بدخول الجيش العراقي إلى الكويت، فأسرع بالوصول إلى منزله متخذا طريقا مختصرا وسريعا حتى لايمر بجوار آليات الجيش العراقي، فوصل إلى المنزل وأخرج سلاحه وانتظر قدوم القوات العراقية، وحين وصلوا بدأ مع بضعة من الحراس الذين بقوا حول القصر بمواجهة شجاعة وغير متكافئة انتهت بمقتلهم جميعا.
للأمانة والانصاف بحق الرجل الذي ذهب للقاء ربه، فإن هذه الرواية الثالثة هي الأصح بين الروايات الثلاث. لاسيما وأنه لم يعرف عن المرحوم الجبن والخوف وهو الذي خالف أفراد الأسرة كلهم وقاتل في صفوف منظمة التحرير الفلسطينية في جنوب لبنان.
على أن بعض الضباط العراقيين الذين كانوا ضمن من وصل متأخرا إلى القصر بعد أن انتهى كل شيء قالوا إنهم حين دخلوا القصر وجدوه ملقى على الأرض ويقوم أحد الجنود العراقيين بتغطية جثته بشرشف ابيض سحبه من طاولة مستديرة كانت في منتصف الصالون،
انحنى أحد الضباط فتحسس الجثة فوجدها ما زالت ساخنة قليلا، مما يدل على أن الرجل قد فارق الحياة من مدة ليست طويلة، وحين تم التحقيق على أنه كيف حصل الأمر؟ ولماذا لم يلقى القبض على الرجل حيا، اقسم أحد الجنود العراقيين أنه دخلوا القصر فوجدوه جثة هامدة.
فتم دفن الرجل على الفور حسب ما تقضي الأمور بذلك بعد أن صلوا على روحه.والله أعلم بحاله على أية حال.
ويقال أن عدي صدام حسين شعر بالغضب الشديد حين علم بمقتله لأنه لم يكن يرد له هذه النهاية ابدا. والله أعلم، فالرجلان بين يدي الحق.
إذا في اليوم الثاني من أغسطس كان كل شيء قد انتهى، وكان رجال الجيش العراقي قد حققوا مهمتهم بنجاح، ولكن الأساس السياسي الذي قامت عليه الخطة لم ينجح، ذلك أن خروج جابر وباقي افراد الأسرة سالمين من الكويت فتح ثغرة كبيرة في الأساس السياسي للخطة العراقية.
فقد كان من المفترض أن يتم أسر جابر وافراد العائلة المقربين، حتىلا يظل هناك من يملك حقا في طلب النجدة من الدول الأخرى. والحاصل أن الشرعية في هذا النوع من النظم التقليدية لاتقوم بدور الحاكم فحسب، وانما بنوع من الأبوية التي يحق لها وحدها أن تتكلم طالما كانت قادرة على الكلام او مازالت على قيد الحياة، فإذا تكلمت فإن كلامها هو المسموع، وإذا بقيت على قيد الحياة فإن رأيها هو المنتظر، ولا يستطيع أحد أن يصم أذنيه أو يتصرف دون إشارتها.
ولذلك وتبعا لهذا الكلام، يمكن بسهولة فهم لماذا لم تتم مقاومة في الكويت اصلا، صحيح حصلت بعض المناوشات هناك وهناك فيما يعرف باللغة العسكرية جيوب مقاومة محدودة، إلا أنها سرعان ما توقفت بعد أن طلب افراد اسرة آل الصباح المتواجدين في الطائف من أبناء الشعب في الكويت التوقف عن اي مقاومة للجيش العراقي والتصرف بسلام وبروح سلمية.
سأؤجل الحديث عن تصرفات الجيش العراقي في أرض الكويت إلى الخاتمة لأني سأربط هذا الموضوع بموضوع الأسرى وما نجم عن حصار الشعب العراقي من جرائم بحق أطفال العراق قبل غيرهم.
الأزمة ودول العالم
لن ندخل في التفاصيل التي تحدثت عن الاتصالات واللقاءات التي جرت بين الحكام العرب والتي زعمت أنهم حاولوا تطويق الأزمة فيها، لأن الولايات المتحدة الأمريكية اتخذت قرارها على الفور بالعدوان على العراق ولذلك أصدرت الأوامر إلى عملائها بقطع الطريق على اي محاولة لإيجاد مخرج عربي للأزمة.
وإن حصل جدل بين هذا البلد أو ذاك في أن الحاكم العربي الفلاني حاول الدعوة إلى مؤتمر قمة مصغر وأن فلان من الحكام رفض الذهاب الى بغداد او حتى الاتصال ببغداد كي (لايكذبوا عليه مرة أخرى) علما بأن العراقيين لم يكذبوا على أحد. بل ان حسني هو الذي كان الكاذب الأكبر في كل تلك الأزمة.
(للتاريخ والأمانة والانصاف) تسجل بعض المواقف المشرفة لحسين دونا عن حسني. وموقفه هذا دعا البعض إلى القول إنه مع صدام، علما بأنه أعلنها صراحة أنه ضد دخول القوات العراقية إلى الكويت ولكن بنفس الوقت ضد الاستعانة بالقوات الاجنبية لحل الأزمة، فهذا الأمر هو الذي جعل غضب دول البترودولار يحل عليه.
على أن حسين كان قد قابل صدام بعد دخول الجيش العراقي الى الكويت ودار بينهما حديث استطاع حسين ان يستخلص منه ان القوات العراقية لاتنوي البقاء داخل الكويت ابدا، وقال الرئيس صدام لحسين بالحرف: ((إننا على كل حال كنا قد اتخذنا قرارا بالانسحاب)) ((إننا سوف نعقد اجتماعا لمجلس قيادة الثورة ونعرض عليه آراءكم)).
ووافق الرئيس صدام حسين على فكرة حسين بعقد القمة العربية المصغرة في جدة، وان كان اشار انه ربما لن يحضرها بسبب مشاغله لكن على الاقل وافق على الفكرة.
وبينما حسين يغادر بغداد في الطائرة، وصلته إشارة من الرئيس صدام حسين تقول له بالحرف الواحد (( إن مجلس قيادة الثورة وافق على وجهة نظرك في اجتماع عقد على عجل. سوف يحضر العراق اجتماع جدة وسوف يعلن انسحابه من الكويت، لكن هناك شرطا واحدا هو ألا يتخذ وزراء الخارجية العرب المجتمعون في القاهرة قرارا مسيئا أو عنيفا ضد العراق فالادانة والتهديدات لاتنفع معنا ومن المهم جدا أن لايوفر العرب أي غطاء للتدخل الخارجي))
وحين كان حسين يسابق الزمن لكي لايتخذ المجتمعون في القاهرة اي قرار عنيف ضد العراق، تلقى اقسى صدمة في حياته، وهو عندما أخبره وزير خارجيته ان مصر اصدرت بيانا منفردا بإدانة العراق في الساعة الرابعة والنصف أي ان مصر حسني مبارك لم ينتظروا حتى اجتماع وزراء الخارجية العرب في الساعة السادسة بنفس اليوم وتصرف حسني بمفرده بناء على تعليمات واشنطن، وايضا لم ينتظر حسني نتائج زيارة حسين إلى بغداد.
وحين سأل حسين حسني لم فعلت هذا وانا الذي حصلت على تعهد من الرئيس صدام بسحب الجيش العراقي من الكويت، أجاب حسني بالحرف: أصلي الضغط عليا كان قوي شويا ومخي وقف عن الشغل وماعدش يشتغل، هنا أجابه حسين: اذا اتصل بي لما يشتغل مخك.
سنختصر الحديث كله ونتناول موضوعين فقط يغنيا عن الحديث حول اي شيء حصل في تلك الازمة، لان هذين الامرين بالواقع كانا حاسمين وهما اللذين قطعا الطريق عن كل شيء، والموضوعين هما :
-تحركات بندر في واشنطن، وجولة ديك تشيني في المنطقة العربية والتي تشبه بالتمام والكمال جولته قبل العدوان الأخير على العراق.
-مؤتمر القمة العربي الذي أعطى الشرعية للقوات الأمريكية للعدوان على العراق.
لكن قبل أن نتحدث عن هذين الأمرين لابد أن اشير إلى أمر هام جدا بل وفي غاية الأهمية، وهو أن الرئيس صدام والقيادة العراقية أدركوا من خلال بعض المعلومات الاستخباراتية أن أمريكا ستوهم القيادة السعودية أن الجيش العراقي سيكمل طريقه إلى السعودية من خلال الكويت، وهو أمر كان لن يحدث أبدا، وسيكتشف القاريء من سياق الكلام التالي عن انه ما كان ممكن الحدوث أبدا.
سارع الرئيس صدام حسين إلى تكليف عزة ابراهيم بمهمة السفر الى السعودية والاجتماع مع فهد وطمأنته حول هذا الموضوع.
وصل عزة ابراهيم الى جدة واجتمع على الفور مع الملك فهد. وطبقا لمحضر الاجتماع فإن عزة ابراهيم طمأن الملك فهد أولا بأنه مهما تسمعون من كلام عن اقتراب الجيش العراقي من الحدود السعودية فإنه لا أساس له من الصحة وسوف لن يحصل هذا الأمر ابدا، وأسهب عزة ابراهيم بقوله للملك فهد:
جلالة الملك إن عديد قوات الجيش العراقي الذي دخل إلى الكويت هو اقل من خمسين الف جندي، ومساحة المملكة واسعة جدا، فأنى لهذا الجيش أن يسيطر على بلد أكبر من العراق بحوالي أربع مرات ؟؟ كم يحتاج للوصول إلى الرياض وكيف سيكون حال الجنود بعدها؟
إننا لاننوي ذلك ابدا ياجلالة الملك ومعاذ الله أن يخطر ببال الرئيس صدام والقيادة العراقية فكرة دخول السعودية او الاقتراب من حدودها، لقد وقعنا معكم معاهدة عدم اعتداء ونحن إن شاء الله ملتزمون بها ايما ألتزام، أما بالنسبة للكويت، فهذا جزء من العراق عاد إليه، لقد سلخه الاستعمار البريطاني عن العراق وجعل منه دويلة، وأنتم تعلمون أن أول موضوع يشغل بال كل حاكم يمر على العراق هو هذا الموضوع.
وتحدث عزة ابراهيم مطولا عن موضوع الأزمة معيدا إلى الاذهان قضية أسعار النفط وما قامت به الكويت وما اكتشفه العراق من مؤامرات ودسائس والوضع الاقتصادي في العراق وخسائر العراق من تصرفات الكويت وسرقات الكويت من حقول العراق أثناء الحرب مع إيران.
كان الملك فهد يستمع إليه والحيرة لم تفارق وجهه، ثم سأله: هذا الذي تريد أن تقوله لي ؟ اذا كان الأمر كذلك ففيم كنا نتحدث خلال الشهور الأخيرة كلها، لقد تعاملتم مع الكويت كدولة مستقلة وأميرها كان أمس في بغداد كرئيس دولة.
فأجاب عزة ابراهيم: يا جلالة الملك إنهم متعنتين ويريدون خنق العراق وإماتة الشعب العراقي ونحن لن نرضى هذا أبدا.
غادر عزة ابراهم جدة وبنفس الوقت غادر سعدون حمادي القاهرة بعد أن اجتمع مع حسني ووضعه بالصورة لما حصل ووجهة النظر العراقية في هذا الخصوص.
صباح يوم 4 أغسطس اتصل الملك فهد بحسين وهوثائر الاعصاب وغاضب جدا قائلا له ان هناك معلومات باقتراب الجيش العراقي من الحدود السعودية، لقد أخبرني الاخوان في العراق بقبول فكرة عقد مؤتمر قمة مصغر وعن قبولهم الانسحاب وبندر الان يخبرني من واشنطن ان قوات عراقية في طريقها الى المملكة وهي الان في المنطقة المحايدة بين السعودية والكويت.
وكان رد الملك حسين: لقد رأيت الرئيس صدام أمس وأكد لي ان هذا الكلام لن يحدث ابدا، على كل حال سأتصل به وأسأله عن الامر وأعود لاتصل معكم.
اتصل حسين مع الرئيس صدام وأخبره بما سمع من فهد، وأبدى الرئيس صدام دهشته من هذا الكلام قائلا: لقد وقعنا مع السعودية معاهدة عدم اعتداء وكان ذلك بناء على اقتراح مني للملك فهد، فلم يقول لك هذا الكلام؟
ثم اردف الرئيس صدام قوله لحسين، لحظة يابوعبد الله لوسمحت معي الان رئيس اركان الجيش العراقي وسأستفسر منه عن هذا الامر واسمع بنفسكم، ثم سمع حسين اصداء حديث واضح جدا بين الرئيس صدام ورئيس اركان الجيش العراقي الذي أكد أنه ليس هناك ولاجندي عراقي واحد في المنطقة المحايدة وأن أقرب قوات لتلك المنطقة تبعد خمسين كيلو متر إن لم يكن أكثر،
ثم أكمل الرئيس صدام حديثه لحسين قائلا: هل سمعت يابوعبد الله ما قاله رئيس الاركان ؟ فأجاب حسين بالايجاب، ثم اضاف الرئيس صدام: اننا حريصون على أن تظل قوات الجيش العراقي بعيدة عن أي مركز سعودي لمسافة تزيد عن خمسين كيلو متر..... أرجو منكم يابوعبد الله ان تتصلوا بالأخ فهد وتطمئنوه عن هذا الأمر.
ثم سأله حسين عن مواعيد الانسحاب من الكويت، فأجاب الرئيس صدام: ان لواء عراقيا كاملا مؤلف من عشرة آلاف جندي انسحب الان وغادر الكويت، وصورت الصحف العراقية والتلفزيون العراقي صور انسحابه عائدا الى بغداد وسوف نعلن جدول انسحاب كامل نبلغه للامم المتحدة.
وبالفعل، أنا كعراقي مجند في الجيش في ذلك الوقت، أؤكد بما لايقطع الشك، أن القوات العراقية بدأت الانسحاب من الكويت، وتحدثت أكثر من صحيفة عربية حول هذا الأمر وعرضت صور انسحاب الجيش العراقي.
ثم اتصل حسين مع فهد وحكى له ما دار بينه وبين الرئيس صدام وقال له:
انني أخشى يا جلالة الملك أن تتعقد الأمور بأكثر من قدرتنا على حلها، ما رأيك أن أتوجه الان إلى جدة للقائكم ووضعكم شخصيا بالصورة علنا نتوصل إلى حل نتدارك فيه العواقب.
لكن فهد تردد عند هذه النقطة بالذات، وأجاب حسين: إنني مشغول بالكامل في اجتماعات لاتنتهي في جدة، ربما أفضل لو تم تأجيل الزيارة الى وقت لاحق.
هنا شعر حسين بصدمة عنيفة جرحت كبرياؤه في العمق، لكنه مع ذلك غالب الكبرياء الموجود لديه وقال له: الحقيقة يا جلالة الملك لدي الكثير أريد أن أقوله لك شخصيا وأريدك أن تسمعه، فكان جواب الملك فهد: سأطلب من سعود أن يمر على عمان وهو في طريقه الى القاهرة ويمكنك أن تخبره ما تريد. فقال حسين: اذا أنا بانتظار الاخ سعود.
وبعد نصف ساعة من هذه المكالمة تلقى ديوان الملك حسين مكالمة من ديوان فهد تقول: إن سعود الفيصل لن يكون بمقدروه المجيء إلى عمان لانشغاله باجتماعات وزراء خارجية دول الخليج، وسوف يكون السيد عبد العزيز الخويطر هو مبعوث الملك فهد إلى عمان.
ايضا صدم الملك حسين من هذ الاستهتار، ومع ذلك استقبل عبد العزيز الخويطر وشرح له ما دار بينه وبين الرئيس صدام وتأكيدات الرئيس صدام بأن الجيش العراقي ينسحب الان من الكويت، ثم قال:
أخشى أن تصل الامور إلى أيد غير عربية اذا ما تركت هكذا ، ان هناك من يقدم للملك فهد أخبارا كاذبة تثير أعصابه كمثل الاخبار التي تتحدث عن تقدم الجيش العراقي إلى السعودية، إن هذا الكلام غير صحيح على الاطلاق، وانه خطر ببالي أن أعرض على الملك فهد أن أرسل الجيش الأردني كله ليتصدى للجيش العراقي مع الجيش السعودي فيما لو كان الرئيس صدام ينوي فعلا أن يكمل طريقه إلى السعودية، ولكني أخشى أن يقال ان لي نوايا هاشمية في السعودية، أرجو أن لايكون الخبر الذي قرأته في الصحف صحيحا عن أن السعودية تفكر بإغلاق خط أنابيب البترول العراقي الممتد عبر السعودية إلى البحر الأحمر، لان ذلك لو حدث فسوف يضيف عقدة جديدة إلى وضع محشور أصلا بالعقد.
لكن عبد العزيز الخويطر أكد للملك فهد أن هذا الكلام مجرد اشاعات وأنه كان حاضرا بنفسه في مجلس الملك فهد وأن فهد تصدى لمن أثار هذه النقطة ورفض الاقتراح رفضا قاطعا.
مع الاسف كان كلام الخويطر كلاما انشائيا، فبمجرد توافد طلائع الجيش الأمريكي إلى السعودية أغلق خط الأنابيب المذكور.
إذا بعد أن وضعنا القاريء بالصورة عن موضوع اقتراب الجيش العراقي من الحدود السعودية وأنه كان وهما وغير وارد أصلا. نبدا الحديث عن جولة ديك تشيني في الوطن العربي والتي تشبه مائة بالمائة الجولة التي قام بها قبل العدوان على العراق في شهر 3/2003 والتي زار فيها 11 دولة في الوطن العربي.