~*¤ô§ô¤*~ ربيع عربي أم خريف ~*¤ô§ô¤*~






صفحة 2 من 2 الأولىالأولى 12
النتائج 11 إلى 14 من 14

الموضوع: مؤامرة آل الصباح على العراق في 2/8/1990

  1. #11
    القسم الثالث

    دخول القوات العراقية إلى الكويت


    يجدر القول بأن الخطة التي كانت موضوعة من قبل القيادة العسكرية العراقية ‏تقضي باحتلال جزيرتي وربة وبوبيان فقط، حسب الخرائط والتوجهيات التي ‏كانت أعطيت من قبل للقائد الذي تولى العملية ولضباط الجيش العراقي.
    ذلك أن ‏العراق يعتبر هاتين الجزيرتين حق ثابت له لانزاع فيه. لكن حدث تغيير للخطة ‏في اللحظات الأخيرة. وهذا أكبر دليل على أنه فعلا لم تكن هناك نية عراقية ‏لضم الكويت، بل الأمر كله لايعدو أن يكون مجرد تأديب لآل الصباح وبمعنى ‏آخر ترهيب.
    وأيضا لم يكن في وارد الجيش العراقي الاقتراب - مجرد الاقتراب ‏‏- من الحدود السعودية على الاطلاق، وسوف نعود لهذه النقطة بالتحديد لاحقا.‏
    كان السفير الأمريكي في الكويت قد وضع خطة محكمة بالتعاون مع السي آي ‏ايه والشيوخ لانقاذهم في حالة ما اذا نفذ الرئيس صدام تهديده وارسل الجيش ‏لدخول الكويت، ففي الساعة الأولى من صباح يوم 2/8/1990 كان بعض ‏العمال والخدم والحاشية مشغولين بإعداد الحقائب وحمل ما خف وزنه وغلا ‏ثمنه، يعملون مثل خلية النحل داخل قصر دسمان الفاخر والواقع على شاطيء ‏البحر، وانشغل آل الصباح بالاتصال ببعضهم البعض، فيما كان البعض منهم قد ‏بدأ فعلا بمغادرة البلد عن طريق البر متجها إلى الطائف.
    وعند الساعة الرابعة ‏فجرا وصل جابر وبصحبته عدد من افراد العائلة وبعض الشيوخ والحاشية إلى ‏السفارة الأمريكية حيث كان السفير ناثانيان هول في استقبالهم، فتم ترحيل جابر ‏وبعض افراد الأسرة بالطوافات العمودية، وبقية أفراد الأسرة والخدم والحاشية ‏توجهوا بالسيارات برا إلى الطائف في السعودية.‏
    أما سعد، فقد كان متجها إلى السعودية بطريق البر، حيث أعطى بعض الأوامر ‏لأجهزة الدولة والحرس الوطني تنفيذا لما سمي وقتها خطة الطواريء، وقد كان ‏عصبيا وثائر الأعصاب ومنفعلا إلى أقصى درجة، فاتصل على الفور بالسفير ‏الأمريكي الذي أكد له أن جابر وعائلته وبعض أفراد الأسرة والحاشية قد تم ‏ترحيلهم إلى الطائف، لكن سعد قال له على الفور: نحن نعتمد عليكم، وهذا هو ‏الظرف الذي تثبت فيه أمريكا صداقتها للكويت وتثبت للعالم كله احترامها ‏لتعهداتها.‏
    لكن السفير سأله: هل اعتبر ما قلت طلبا رسميا من حكومتكم بالمساعدة ‏الأمريكية؟
    فرد سعد بدون انتظار: طبعا نحن نطلب مساعدتكم.‏
    فسأل السفير: هل هذا رأيك أم رأي الحكومة؟
    فرد سعد: هذا طلب من الحكومة.‏
    ثم اتصل سعد بجابر الذي كان قد وصل إلى الخفجي ليخبره بما دار بينه وبين ‏السفير الأمريكي، فاثنى جابر على خطوته طالبا منه إعادة الاتصال بالسفير ‏وإخباره أن الامير بنفسه يطلب هذه المساعدة وأنه باعتباره ولي العهد ورئيس ‏مجلس الوزراء يعززه مرة أخرى. ففعل سعد ذلك وأضاف قائلا للسفير: الكويت ‏أميرا وحكومة وشعبا لا أمل لهم الآن إلا في الرئيس بوش وصداقة الشعب ‏الأمريكي.‏
    وصل جابر الى حفر الباطن قادما من الخفجي ثائرا هائجا واصفا العراقيين ‏بالكفار وكان في حالة ثورة عارمة يرغي ويزبد القول ما يعلم وما لايعلم، ‏واتصل مع الملك فهد يقول له انه لابد من اخراج العراقيين اليوم، لانهم اذا باتوا ‏ليلتهم فلن يخرجوا من الكويت ابدا، حاول الملك فهد قصارى جهده تهدئة ثورته ‏وطلب من عبد الله ارسال طائرة خاصة له تحضره إلى جدة للقائه وطمأنته.‏

    أشترك في الهجوم على الكويت، من ثلاثين إلى أربعين ألف جندي من الجيش ‏والحرس الجمهوري، وليس مائة ألف كما أشيع وزعموا يومها، والأغلب أن عدد ‏الجنود لم يتجاوز الخمسة وثلاثين الف جندي، واجهوا في البداية بعض الوحدات ‏العسكرية هنا وهناك التي ما لبثت أن اختفت وحاول بعض الطيارين الكويتيين ‏القيام بطلعات استعراضية ومهاجمة الجيش العراقي، لكنهم ما لبثوا ايضا أن ‏اختفوا بطائراتهم متجهين بها إلى المأوى الآمن في المملكة العربية السعودية.‏
    اتخذت الوحدات العراقية على الفور أماكنها ووصلت إلى مركز المدينة في ‏عصر يوم 2/8/1990، فيما تحصنت وحدات الجيش الكويتي بمواقعها بمدينة ‏الشويخ الواقعة في شمال مدينة الكويت، كما قام رجال الجيش العراقي بإنزال ‏جوي في جزيرتي وربة وبوبيان وأقاموا على الفور تحصينات فيهما وفي جزيرة ‏فيلكة،
    وفي منطقة الجهرة الواقعة في غرب مدينة الكويت كان هناك معسكرا ‏لوحدة يطلق عليها اسم كتيبة المغاوير الخاصة، التي وللأمانة قاتلت ببسالة للدفاع ‏عن معسكراتها ولكنها مع الأسف تكبدت خسائر جسيمة.
    واستطاع ‏رجال الجيش العراقي اسر من تبقى من تلك الوحدة وإذا بهم كلهم عرب ومن ‏أصول عراقية ومن البصرة تحديدا (فعلق أحد ضباط الجيش العراقي قائلا : لان اصولهم عراقية قاومونا ببسالة، أما ذوي الاصول الفارسية وقوم هشتة بشتة فقد هربوا الى السعودية)
    للمصادفة استطاع رجال الجيش العراقي ‏حصر أكثر من مائة وخمسين فردا من هذه الكتيبة امهاتهم عراقيات، فأخلوا سبيلهم. ‏على أن جميع من اسر من افراد تلك الوحدة قد أخلي سبيله فيما بعد حتى قبل ‏بدء العدوان الثلاثيني.‏
    اما بالنسبة لمصير الشيوخ وفهد الأحمد بالتحديد،،
    قبل أن نتحدث عن تواجد الجيش العراقي في الكويت، لابد من ان نذكر أنه حين ‏وصلت طلائع القوات العراقية إليها وأحكمت قبضتها، كان جل افراد اسرة ‏الصباح قد رحلوا، وتبعهم فيما بعد بعض كبار الضباط والوزراء والمستشارين ‏والنواب وكبار موظفي الدولة وكبار التجار وعلية القوم في الكويت.‏

    هناك ثلاث روايات تحدثت عن مقتل الشيخ فهد الأحمد

    الرواية الأولى تقول:
    إنه كان في قصر دسمان مع شقيقه جابر، وحين أزفت ‏ساعة الرحيل رفض الخروج مع من خرج وأقسم أنه سيقاتل حتى النهاية، فعاجله ‏أحد أفراد الأسرة برصاصة حتى لا يزايد عليهم في الشجاعة ويصبح بطلا قوميا ‏بنظر الكويتيين والعرب ويظهروا هم بمظهر الجبان الذي ترك أرض المعركة. ‏فبقي مضرجا بدمه حتى جاء الجنود العراقيون فوجدوه مفارقا للحياة، فغطوا ‏جثته وتم دفنه فيما بعد . (على أن هذه الرواية نشرتها منتديات الانترنت بكثرة ‏وخصوصا قبل العدوان واجتياح بغداد ولم يؤكد أو ينفي أحد صحتها وأغلب ‏أظن أنها غير صحية وملفقة)
    الرواية الثانية تقول:
    إنه كان في رحلة خارج مدينة الكويت في البر، وحين عاد ‏إلى منزله في ساعة متأخرة من الليل فوجيء بوجود بعض الجنود الذين لم ‏يستطع التعرف عليهم ولاسبب تواجدهم في منزله، وأخرج مسدسا كان معه ‏يطلب إليهم الخروج، وأثناء النقاش معهم بدا وكأنه يهم بإطلاق النار فعاجله أحد ‏الجنود العراقيين برصاصة سقط على أثرها قتيلا.
    (هذه الرواية ذكرها الاستاذ ‏محمد حسنين هيكل في كتابه أوهام القوة والنصر صفحة (358 لكن هل يعقل أن ‏فهد وهو شقيق الحاكم لم يعلم بأمر دخول القوات العراقية إلى الكويت ؟ علما ‏بأن أفراد اسرة الصباح اتصلوا مع بعضهم البعض حين علا هدير صوت دبابات ‏الجيش العراقي.‏
    الرواية الثالثة تقول:
    إنه كان في رحلة مع أصدقاءه في البر، واتصل به من ‏اتصل من أفراد الأسرة يخبره بدخول الجيش العراقي إلى الكويت، فأسرع ‏بالوصول إلى منزله متخذا طريقا مختصرا وسريعا حتى لايمر بجوار آليات ‏الجيش العراقي، فوصل إلى المنزل وأخرج سلاحه وانتظر قدوم القوات ‏العراقية، وحين وصلوا بدأ مع بضعة من الحراس الذين بقوا حول القصر ‏بمواجهة شجاعة وغير متكافئة انتهت بمقتلهم جميعا.‏
    للأمانة والانصاف بحق الرجل الذي ذهب للقاء ربه، فإن هذه الرواية الثالثة هي ‏الأصح بين الروايات الثلاث. لاسيما وأنه لم يعرف عن المرحوم الجبن والخوف ‏وهو الذي خالف أفراد الأسرة كلهم وقاتل في صفوف منظمة التحرير الفلسطينية ‏في جنوب لبنان.‏
    على أن بعض الضباط العراقيين الذين كانوا ضمن من وصل متأخرا إلى القصر ‏بعد أن انتهى كل شيء قالوا إنهم حين دخلوا القصر وجدوه ملقى على الأرض ‏ويقوم أحد الجنود العراقيين بتغطية جثته بشرشف ابيض سحبه من طاولة ‏مستديرة كانت في منتصف الصالون،
    انحنى أحد الضباط فتحسس الجثة فوجدها ‏ما زالت ساخنة قليلا، مما يدل على أن الرجل قد فارق الحياة من مدة ليست ‏طويلة، وحين تم التحقيق على أنه كيف حصل الأمر؟ ولماذا لم يلقى القبض على ‏الرجل حيا، اقسم أحد الجنود العراقيين أنه دخلوا القصر فوجدوه جثة هامدة.
    فتم ‏دفن الرجل على الفور حسب ما تقضي الأمور بذلك بعد أن صلوا على ‏روحه.والله أعلم بحاله على أية حال.
    ويقال أن عدي صدام حسين شعر بالغضب ‏الشديد حين علم بمقتله لأنه لم يكن يرد له هذه النهاية ابدا. والله أعلم، فالرجلان ‏بين يدي الحق.‏

    إذا في اليوم الثاني من أغسطس كان كل شيء قد انتهى، وكان رجال الجيش ‏العراقي قد حققوا مهمتهم بنجاح، ولكن الأساس السياسي الذي قامت عليه الخطة ‏لم ينجح، ذلك أن خروج جابر وباقي افراد الأسرة سالمين من الكويت فتح ثغرة ‏كبيرة في الأساس السياسي للخطة العراقية.
    فقد كان من المفترض أن يتم أسر ‏جابر وافراد العائلة المقربين، حتىلا يظل هناك من يملك حقا في طلب النجدة من ‏الدول الأخرى. والحاصل أن الشرعية في هذا النوع من النظم التقليدية لاتقوم ‏بدور الحاكم فحسب، وانما بنوع من الأبوية التي يحق لها وحدها أن تتكلم طالما ‏كانت قادرة على الكلام او مازالت على قيد الحياة، فإذا تكلمت فإن كلامها هو ‏المسموع، وإذا بقيت على قيد الحياة فإن رأيها هو المنتظر، ولا يستطيع أحد أن ‏يصم أذنيه أو يتصرف دون إشارتها.‏
    ولذلك وتبعا لهذا الكلام، يمكن بسهولة فهم لماذا لم تتم مقاومة في الكويت اصلا، ‏صحيح حصلت بعض المناوشات هناك وهناك فيما يعرف باللغة العسكرية جيوب ‏مقاومة محدودة، إلا أنها سرعان ما توقفت بعد أن طلب افراد اسرة آل الصباح ‏المتواجدين في الطائف من أبناء الشعب في الكويت التوقف عن اي مقاومة ‏للجيش العراقي والتصرف بسلام وبروح سلمية.‏
    سأؤجل الحديث عن تصرفات الجيش العراقي في أرض الكويت إلى الخاتمة ‏لأني سأربط هذا الموضوع بموضوع الأسرى وما نجم عن حصار الشعب ‏العراقي من جرائم بحق أطفال العراق قبل غيرهم.‏

    الأزمة ودول العالم

    لن ندخل في التفاصيل التي تحدثت عن الاتصالات واللقاءات التي جرت بين ‏الحكام العرب والتي زعمت أنهم حاولوا تطويق الأزمة فيها، لأن الولايات ‏المتحدة الأمريكية اتخذت قرارها على الفور بالعدوان على العراق ولذلك ‏أصدرت الأوامر إلى عملائها بقطع الطريق على اي محاولة لإيجاد مخرج ‏عربي للأزمة.

    وإن حصل جدل بين هذا البلد أو ذاك في أن الحاكم العربي ‏الفلاني حاول الدعوة إلى مؤتمر قمة مصغر وأن فلان من الحكام رفض الذهاب ‏الى بغداد او حتى الاتصال ببغداد كي (لايكذبوا عليه مرة أخرى) علما بأن ‏العراقيين لم يكذبوا على أحد. بل ان حسني هو الذي كان الكاذب الأكبر في كل ‏تلك الأزمة. ‏
    ‏(للتاريخ والأمانة والانصاف) تسجل بعض المواقف المشرفة لحسين دونا عن ‏حسني. وموقفه هذا دعا البعض إلى القول إنه مع صدام، علما بأنه أعلنها ‏صراحة أنه ضد دخول القوات العراقية إلى الكويت ولكن بنفس الوقت ضد ‏الاستعانة بالقوات الاجنبية لحل الأزمة، فهذا الأمر هو الذي جعل غضب دول ‏البترودولار يحل عليه.‏
    على أن حسين كان قد قابل صدام بعد دخول الجيش العراقي الى الكويت ودار ‏بينهما حديث استطاع حسين ان يستخلص منه ان القوات العراقية لاتنوي البقاء ‏داخل الكويت ابدا، وقال الرئيس صدام لحسين بالحرف: ((إننا على كل حال كنا ‏قد اتخذنا قرارا بالانسحاب)) ((إننا سوف نعقد اجتماعا لمجلس قيادة الثورة ‏ونعرض عليه آراءكم)).
    ووافق الرئيس صدام حسين على فكرة حسين بعقد القمة ‏العربية المصغرة في جدة، وان كان اشار انه ربما لن يحضرها بسبب مشاغله ‏لكن على الاقل وافق على الفكرة.
    وبينما حسين يغادر بغداد في الطائرة، وصلته ‏إشارة من الرئيس صدام حسين تقول له بالحرف الواحد (( إن مجلس قيادة ‏الثورة وافق على وجهة نظرك في اجتماع عقد على عجل. سوف يحضر العراق ‏اجتماع جدة وسوف يعلن انسحابه من الكويت، لكن هناك شرطا واحدا هو ألا ‏يتخذ وزراء الخارجية العرب المجتمعون في القاهرة قرارا مسيئا أو عنيفا ضد ‏العراق فالادانة والتهديدات لاتنفع معنا ومن المهم جدا أن لايوفر العرب أي ‏غطاء للتدخل الخارجي))
    وحين كان حسين يسابق الزمن لكي لايتخذ المجتمعون في القاهرة اي قرار ‏عنيف ضد العراق، تلقى اقسى صدمة في حياته، وهو عندما أخبره وزير ‏خارجيته ان مصر اصدرت بيانا منفردا بإدانة العراق في الساعة الرابعة ‏والنصف أي ان مصر حسني مبارك لم ينتظروا حتى اجتماع وزراء الخارجية ‏العرب في الساعة السادسة بنفس اليوم وتصرف حسني بمفرده بناء على تعليمات ‏واشنطن، وايضا لم ينتظر حسني نتائج زيارة حسين إلى بغداد.
    وحين سأل ‏حسين حسني لم فعلت هذا وانا الذي حصلت على تعهد من الرئيس صدام بسحب ‏الجيش العراقي من الكويت، أجاب حسني بالحرف: أصلي الضغط عليا كان قوي ‏شويا ومخي وقف عن الشغل وماعدش يشتغل، هنا أجابه حسين: اذا اتصل بي ‏لما يشتغل مخك.‏

    سنختصر الحديث كله ونتناول موضوعين فقط يغنيا عن الحديث حول اي شيء حصل في تلك الازمة، لان هذين الامرين بالواقع كانا حاسمين وهما اللذين قطعا الطريق عن كل شيء، والموضوعين هما :‏
    ‏ -تحركات بندر في واشنطن، وجولة ديك تشيني في المنطقة العربية والتي تشبه ‏بالتمام والكمال جولته قبل العدوان الأخير على العراق.‏
    ‏ -مؤتمر القمة العربي الذي أعطى الشرعية للقوات الأمريكية للعدوان على ‏العراق.‏

    لكن قبل أن نتحدث عن هذين الأمرين لابد أن اشير إلى أمر هام جدا بل وفي ‏غاية الأهمية، وهو أن الرئيس صدام والقيادة العراقية أدركوا من خلال بعض ‏المعلومات الاستخباراتية أن أمريكا ستوهم القيادة السعودية أن الجيش العراقي ‏سيكمل طريقه إلى السعودية من خلال الكويت، وهو أمر كان لن يحدث أبدا، ‏وسيكتشف القاريء من سياق الكلام التالي عن انه ما كان ممكن الحدوث أبدا.‏
    سارع الرئيس صدام حسين إلى تكليف عزة ابراهيم بمهمة السفر الى السعودية ‏والاجتماع مع فهد وطمأنته حول هذا الموضوع.
    وصل عزة ابراهيم الى جدة ‏واجتمع على الفور مع الملك فهد. وطبقا لمحضر الاجتماع فإن عزة ابراهيم ‏طمأن الملك فهد أولا بأنه مهما تسمعون من كلام عن اقتراب الجيش العراقي من ‏الحدود السعودية فإنه لا أساس له من الصحة وسوف لن يحصل هذا الأمر ابدا، ‏وأسهب عزة ابراهيم بقوله للملك فهد:‏
    جلالة الملك إن عديد قوات الجيش العراقي الذي دخل إلى الكويت هو اقل من ‏خمسين الف جندي، ومساحة المملكة واسعة جدا، فأنى لهذا الجيش أن يسيطر ‏على بلد أكبر من العراق بحوالي أربع مرات ؟؟ كم يحتاج للوصول إلى الرياض ‏وكيف سيكون حال الجنود بعدها؟
    إننا لاننوي ذلك ابدا ياجلالة الملك ومعاذ الله ‏أن يخطر ببال الرئيس صدام والقيادة العراقية فكرة دخول السعودية او الاقتراب ‏من حدودها، لقد وقعنا معكم معاهدة عدم اعتداء ونحن إن شاء الله ملتزمون بها ‏ايما ألتزام، أما بالنسبة للكويت، فهذا جزء من العراق عاد إليه، لقد سلخه ‏الاستعمار البريطاني عن العراق وجعل منه دويلة، وأنتم تعلمون أن أول ‏موضوع يشغل بال كل حاكم يمر على العراق هو هذا الموضوع.‏
    وتحدث عزة ابراهيم مطولا عن موضوع الأزمة معيدا إلى الاذهان قضية أسعار ‏النفط وما قامت به الكويت وما اكتشفه العراق من مؤامرات ودسائس والوضع ‏الاقتصادي في العراق وخسائر العراق من تصرفات الكويت وسرقات الكويت ‏من حقول العراق أثناء الحرب مع إيران.‏
    كان الملك فهد يستمع إليه والحيرة لم تفارق وجهه، ثم سأله: هذا الذي تريد أن ‏تقوله لي ؟ اذا كان الأمر كذلك ففيم كنا نتحدث خلال الشهور الأخيرة كلها، لقد ‏تعاملتم مع الكويت كدولة مستقلة وأميرها كان أمس في بغداد كرئيس دولة.‏
    فأجاب عزة ابراهيم: يا جلالة الملك إنهم متعنتين ويريدون خنق العراق وإماتة ‏الشعب العراقي ونحن لن نرضى هذا أبدا.‏
    غادر عزة ابراهم جدة وبنفس الوقت غادر سعدون حمادي القاهرة بعد أن اجتمع ‏مع حسني ووضعه بالصورة لما حصل ووجهة النظر العراقية في هذا ‏الخصوص.‏

    صباح يوم 4 أغسطس اتصل الملك فهد بحسين وهوثائر الاعصاب وغاضب جدا ‏قائلا له ان هناك معلومات باقتراب الجيش العراقي من الحدود السعودية، لقد ‏أخبرني الاخوان في العراق بقبول فكرة عقد مؤتمر قمة مصغر وعن قبولهم ‏الانسحاب وبندر الان يخبرني من واشنطن ان قوات عراقية في طريقها الى ‏المملكة وهي الان في المنطقة المحايدة بين السعودية والكويت.
    وكان رد الملك ‏حسين: لقد رأيت الرئيس صدام أمس وأكد لي ان هذا الكلام لن يحدث ابدا، على ‏كل حال سأتصل به وأسأله عن الامر وأعود لاتصل معكم.‏
    اتصل حسين مع الرئيس صدام وأخبره بما سمع من فهد، وأبدى الرئيس صدام ‏دهشته من هذا الكلام قائلا: لقد وقعنا مع السعودية معاهدة عدم اعتداء وكان ذلك ‏بناء على اقتراح مني للملك فهد، فلم يقول لك هذا الكلام؟
    ثم اردف الرئيس ‏صدام قوله لحسين، لحظة يابوعبد الله لوسمحت معي الان رئيس اركان الجيش ‏العراقي وسأستفسر منه عن هذا الامر واسمع بنفسكم، ثم سمع حسين اصداء ‏حديث واضح جدا بين الرئيس صدام ورئيس اركان الجيش العراقي الذي أكد أنه ‏ليس هناك ولاجندي عراقي واحد في المنطقة المحايدة وأن أقرب قوات لتلك ‏المنطقة تبعد خمسين كيلو متر إن لم يكن أكثر،
    ثم أكمل الرئيس صدام حديثه ‏لحسين قائلا: هل سمعت يابوعبد الله ما قاله رئيس الاركان ؟ فأجاب حسين ‏بالايجاب، ثم اضاف الرئيس صدام: اننا حريصون على أن تظل قوات الجيش ‏العراقي بعيدة عن أي مركز سعودي لمسافة تزيد عن خمسين كيلو متر..... أرجو ‏منكم يابوعبد الله ان تتصلوا بالأخ فهد وتطمئنوه عن هذا الأمر.‏
    ثم سأله حسين عن مواعيد الانسحاب من الكويت، فأجاب الرئيس صدام: ان لواء ‏عراقيا كاملا مؤلف من عشرة آلاف جندي انسحب الان وغادر الكويت، ‏وصورت الصحف العراقية والتلفزيون العراقي صور انسحابه عائدا الى بغداد ‏وسوف نعلن جدول انسحاب كامل نبلغه للامم المتحدة.‏
    وبالفعل، أنا كعراقي مجند في الجيش في ذلك الوقت، أؤكد بما لايقطع الشك، أن ‏القوات العراقية بدأت الانسحاب من الكويت، وتحدثت أكثر من صحيفة عربية ‏حول هذا الأمر وعرضت صور انسحاب الجيش العراقي.‏
    ثم اتصل حسين مع فهد وحكى له ما دار بينه وبين الرئيس صدام وقال له:
    انني ‏أخشى يا جلالة الملك أن تتعقد الأمور بأكثر من قدرتنا على حلها، ما رأيك أن ‏أتوجه الان إلى جدة للقائكم ووضعكم شخصيا بالصورة علنا نتوصل إلى حل ‏نتدارك فيه العواقب.
    لكن فهد تردد عند هذه النقطة بالذات، وأجاب حسين: إنني ‏مشغول بالكامل في اجتماعات لاتنتهي في جدة، ربما أفضل لو تم تأجيل الزيارة ‏الى وقت لاحق.
    هنا شعر حسين بصدمة عنيفة جرحت كبرياؤه في العمق، لكنه ‏مع ذلك غالب الكبرياء الموجود لديه وقال له: الحقيقة يا جلالة الملك لدي الكثير ‏أريد أن أقوله لك شخصيا وأريدك أن تسمعه، فكان جواب الملك فهد: سأطلب ‏من سعود أن يمر على عمان وهو في طريقه الى القاهرة ويمكنك أن تخبره ما ‏تريد. فقال حسين: اذا أنا بانتظار الاخ سعود.‏
    وبعد نصف ساعة من هذه المكالمة تلقى ديوان الملك حسين مكالمة من ديوان ‏فهد تقول: إن سعود الفيصل لن يكون بمقدروه المجيء إلى عمان لانشغاله ‏باجتماعات وزراء خارجية دول الخليج، وسوف يكون السيد عبد العزيز ‏الخويطر هو مبعوث الملك فهد إلى عمان.‏
    ايضا صدم الملك حسين من هذ الاستهتار، ومع ذلك استقبل عبد العزيز الخويطر ‏وشرح له ما دار بينه وبين الرئيس صدام وتأكيدات الرئيس صدام بأن الجيش ‏العراقي ينسحب الان من الكويت، ثم قال:
    أخشى أن تصل الامور إلى أيد غير ‏عربية اذا ما تركت هكذا ، ان هناك من يقدم للملك فهد أخبارا كاذبة تثير ‏أعصابه كمثل الاخبار التي تتحدث عن تقدم الجيش العراقي إلى السعودية، إن ‏هذا الكلام غير صحيح على الاطلاق، وانه خطر ببالي أن أعرض على الملك ‏فهد أن أرسل الجيش الأردني كله ليتصدى للجيش العراقي مع الجيش السعودي ‏فيما لو كان الرئيس صدام ينوي فعلا أن يكمل طريقه إلى السعودية، ولكني ‏أخشى أن يقال ان لي نوايا هاشمية في السعودية، أرجو أن لايكون الخبر الذي ‏قرأته في الصحف صحيحا عن أن السعودية تفكر بإغلاق خط أنابيب البترول ‏العراقي الممتد عبر السعودية إلى البحر الأحمر، لان ذلك لو حدث فسوف ‏يضيف عقدة جديدة إلى وضع محشور أصلا بالعقد.‏
    لكن عبد العزيز الخويطر أكد للملك فهد أن هذا الكلام مجرد اشاعات وأنه كان ‏حاضرا بنفسه في مجلس الملك فهد وأن فهد تصدى لمن أثار هذه النقطة ورفض ‏الاقتراح رفضا قاطعا. ‏
    مع الاسف كان كلام الخويطر كلاما انشائيا، فبمجرد توافد طلائع الجيش ‏الأمريكي إلى السعودية أغلق خط الأنابيب المذكور.‏

    إذا بعد أن وضعنا القاريء بالصورة عن موضوع اقتراب الجيش العراقي من ‏الحدود السعودية وأنه كان وهما وغير وارد أصلا. نبدا الحديث عن جولة ديك ‏تشيني في الوطن العربي والتي تشبه مائة بالمائة الجولة التي قام بها قبل العدوان ‏على العراق في شهر 3/2003 والتي زار فيها 11 دولة في الوطن العربي.
    دمت لنا فخراً يا عراق


  2. #12
    تحركات بندر في واشنطن

    تحركات بندر في واشنطن، وجولة ديك تشيني في المنطقة العربية والتي تشبه ‏بالتمام والكمال جولته قبل العدوان الأخير على العراق.‏
    كان بندر بن سلطان سفيرا غير عادي في واشنطن، وبحكم انه سفير السعودية ‏بأهميتها الكبرى بالنسبة للولايات المتحدة، وبحكم انه من ابناء الامير سلطان ‏وزير الدفاع، وبحكم انه متزوج من ابنة الملك فيصل، وبحكم انه يتمتع ‏بصلاحيات سياسية ومالية غير محدودة، فإن صلاته بالبيت الابيض ووزارتي ‏الخارجية والدفاع والبنتاجون ووكالة المخابرات المركزية كانت وثيقة الى درجة ‏غير عادية.‏
    والذي ساعد بندرعلى هذه المكانة التي حققها في واشنطن انه كان ممثل ‏السعودية في العمليات السرية التي كانت الادارة الامريكية تحتاج فيها الى ‏اعتمادات لاتمر عن طريق الكونجرس لتنفذ بها سياسات معينة، وكان الامير ‏بندر مثلا هو الذي قام بتقديم مبلغ الخمسة والثلاثين مليون دولار التي استعملتها ‏الولايات المتحدة الامريكية في حربها الخفية ضد نظام السانديستا في نيكاراجوا، ‏كذلك كانت سفارته هي (( صندوق الدفع)) في حروب خفية أخرى لاتعد ‏ولاتحصى، كذلك الممول الرئيسي لعمليات اغتيال لشخصيات معارضة لسياسة ‏الولايات المتحدة وخصوصا في الوطن العربي.‏
    في يوم 27 يوليو من نفس العام اجتمع بندر بن سلطان سفير السعودية مع كولين ‏باول رئيس الاركان الامريكي الذي استدعاه الى مكتبه قائلا انه لديه الكثير من ‏الاسئلة التي يريد اجابتها من السفير الواسع الاطلاع والنفوذ.‏
    سأل باول بندر: ما الذي يفعله صديقك صدام؟ فأجاب بندر: لا اعرف بالضبط ‏ولكن أتصور عملية استعراض عضلات لتخويف الكويتيين،
    ثم يصل بندر إلى ‏أخطر كلام يمكن أن يقوله سفير دولة عربية اسلامية لوزير حرب الدولة ‏المعادية للعرب والاسلام:
    ((ان هذه ليست المشكلة، ولكن المشكلة ان عمليات ‏استعراض العضلات لن تتوقف، فإذا مرت هذه الازمة بسلام، فالراجح انها ‏ستكرر مرة أخرى، ومعنى ذلك أن النظام في العراق سوف يظل باستمرار ‏ولسنوات طويلة مصدرا للقلق الدائم)).‏
    وحين سأله باول عن الكويتيين ومدى صلابتهم، كان رد بندر هو: ان عائلة ‏الصباح عائلة تجار، وليست لهم هوية سياسية محددة، والكويت كلها أقرب إلى ‏أن تكون شركة منها إلى أن تكون دولة.‏
    وقد أسلفنا من قبل حين تحدثنا عن مجلس التعاون الخليجي أن بندر كان يمازح ‏اصحابه حين يريد استخدام الحمام لقضاء الحاجة بقوله: انا ذاهب الى الكويت ‏لأقضي حاجتي!!!!!.‏

    كانت أول إشارة وصلت الى واشنطن عن دخول الجيش العراقي الى الكويت ‏رسالة من كلمتين بعث بهما الجنرال بيل اوينز قائد الاسطول الامريكي السادس ‏في البحر الابيض المتوسط يقول فيها: العراقيون اخترقوا.
    ووصلت هذه الاشارة ‏الى كولين باول الذي جمع على الفور مساعديه في هيئة الاركان لتقدير الموقف ‏وكان ظنه انه سيستدعى فورا الى البيت الابيض وعليه ان يكون جاهزا للرد ‏على اي استفسار يطرح عليه.‏
    ثم ما لبث بوش ان تلقى الخبر عن طريق مستشاره للامن القومي برنت ‏سكوكروفت.‏
    يجدر بنا أن نذكر أنه عندما اجتمع مجلس الامن على عجل في الامم المتحدة، ‏اصدر قرارا يحمل رقم 660 الذي أدان دخول القوات العراقية وطالب العراق ‏بسحب قواته من الكويت ودعا بالتحديد الى الوصول إلى اتفاق عن طريق ‏التفاوض بين العراق والكويت، على ان بعض الدول العربية احتجت على تجاهل ‏الجزء الاخير من القرار الذي يشير صراحة الى ايجاد حل عربي ودون تدخل ‏من الدول الغربية. ‏
    وافق جميع الاعضاء على القرار باستثناء اليمن التي قال مندوبها انه لم يتلق أي ‏تعليمات من حكومته بهذا الخصوص.
    وبينما كانت المداولات مستمرة في مجلس ‏الامن تقدم توماس بيكرينج سفير الولايات المتحدة من عبد الله صلاح سفير ‏الاردن وقال له : تشجع يا سعادة السفير، لدي رسالة عاجلة جدا أرجو ارسالها ‏الى عمان وطالبهم بالرد الفوري فما زال هناك أمل في انقاذ الموقف.‏
    ‏((ارجو من جميع القراء تمعن النظر طويلا في هذه الفقرات الخمس التالية، لانها ‏حاليا وفي ظل وضع العراق الحالي ( عراق علاوي والياور تحت الاحتلال) هي ‏النقاط التي سترتكز عليها السياسة الامريكية بخصوص موضوع العراق ‏والكويت وقضية اعادة الفرع للأصل)).‏
    كانت الرسالة الامريكية موجهة الى القيادة العراقية تحمل في طياتها خمسة نقاط:‏
    اولا: لابد من انسحاب الجيش العراقي علنا من الكويت واعلان جدول زمني ‏لذلك.‏
    ثانيا: يمكن ارجاء قضية رجوع ال الصباح الى وقت آخر.‏
    ثالثا: الولايات المتحدة تعتقد ان النزاع القائم بين العراق والكويت على قدر من ‏الوجاهة وبالرغم من انها لن تتحيز الى اي من الطرفين، الا انها ستبذل كل ‏الجهود اللازمة من اجل توفير الوسائل المطلوبة من وساطة وغيرها.‏
    رابعا: الولايات المتحدة تقدر حاجة العراق الى منفذ افضل على ممرات الخليج ‏المائية ومن الوارد ان تميل الولايات المتحدة الى توفير حرية الوصول الى ‏جزيرتي وربة وبوبيان.‏
    خامسا: تقترح الولايات المتحدة في أن يدعو العراق الى استفتاء شعبي تدعمه ‏الامم المتحدة لتمكين المواطنين في الكويت من تحديد مستقبلهم

    ارسل السفير الاردني رسالة مشفرة الى عمان يبلغهم فيها ما تلقاه، ووصلت هذه ‏المذكرة الى زيد بن شاكر رئيس الديوان الملكي الذي قال انها مدهشة حقا، لكن ‏هي من افكار السفير الامريكي ام بالونة اختبار من الرئيس بوش ؟ اتصل ‏السفير الاردني بالسفير بيكرينج وطرح عليه السؤال، فأجاب السفير بأنه لايعلم ‏ولكنها قريبة جدا من وجهة نظر الادارة الامريكية.
    ومع ذلك اتصل السفير ‏بيكرينج بالوزير بيكر الذي رد عليه من خلال خط مباشر: يمكننا قبول تلك ‏النقاط.‏
    كان من المفروض أن يتولى الديوان الاردني نقل هذه الرسالة الى الرئيس صدام ‏حسين، لكن حتما تلك الرسالة لم تصل الى القيادة العراقية بسبب فشل وسائل ‏الاتصال.‏
    اذا عودة الى بوش وماذا فعل بعد ان اضفنا تلك الاضافة الهامة عما حصل بين ‏السفيرين الامريكي والاردني في مبنى الامم المتحدة.‏
    في صباح يوم 2 أغسطس في واشنطن كان بوش في طريقه الى مكتبه ‏البيضاوي، وكان مستشاره قد أعد له تقريرا عما حدث وما تجمع لديه من ‏معلومات وردت اليه من أجهزة الادارة الامريكية سواء العلنية او السرية، وبعد ‏اجتماعه مع كل من: وزير الدفاع، رئيس الاركان ونواب رئيس الاركان وبول ‏وولفويتز مدير التقديرات الاستراتيجية، مساعد وزير الخارجية، مدير وكالة ‏السي آي ايه ونائبه، واخيرا المستشار القانوني خلص إلى مجموعة قرارات هي:‏
    ‏-‏ بيان باسم الرئيس يدين الغزو ويطالب بسرعة الانسحاب بلا قيد أو شرط.‏
    ‏-‏ قرار بارسال قوة من الطيران الى السعودية
    ‏-‏ قرار بتجميد كل الاموال الكويتية والعراقية في كافة البنوك.‏
    ‏-‏ قرار تشكيل لجنة طواريء.‏
    ‏-‏ انشاء لجنة طواريء تعمل تحت رئاسة مستشار الامن القومي.‏
    ايضا لابد ان نذكر هذا الحوار الهام جدا الذي دار اثناء الازمة بين الجنرال ‏كولين باول رئيس الاركان الامريكي وسلفه الجنرال ويليام كرو، حيث قال ‏كرو لباول في هذا الحوار:
    ارجوك ان تنصح الرئيس ان يتذرع بالصبر، اننا ‏صبرنا اربعين سنة انتصرنا على أكبر خصم واجهناه هو الاتحاد السوفييتي، ‏ان العراق هدف سهل وسوف نقتل عشرات الوف من العرب هناك دون ‏عناء، وسوف يتحمس بعض العرب لنا في البداية ولكن كل العرب بعد ان ‏تمر السنين لن ينسوا ابدا، ومهما كان هدفك نبيلا في اي معركة، فإن عنصر ‏النبل فيه سوف ينسى، ويظل فقط عنصر القتل.‏
    باول ايضا فكر نفس التفكير الذي كان سلفه يفكر فيه، فرد عليه:
    انني افهمك ‏وانا شخصيا من انصار الضغط على العراق بالحصار الاقتصادي ‏والدبلوماسي، ولكن الاخرين عبر النهر يريدون شيئا آخر، وكان يقصد ‏بالاخرين عبر النهر المتواجدين في البيت الابيض.‏
    فقال: كرو: هناك وسائل أخرى لردع العراق، قل رايك الكامل للرئيس،
    فرد باول: قلت ذلك، ولكني لااستطيع ان الح، فإذا فعلت ذلك ورفض فعلي ‏أن استقيل واستقالتي لن توقف العمليات العسكرية.‏
    فسال كرو: وماذا عن الاعباء الاقتصادية للحرب ؟
    ورد باول: تقديرهم أن عرب البترول سيدفعون التكاليف.‏

    في مساء نفس اليوم انتقل بوش الى غرفة العمليات الخاصة ومعه كل من ‏رئيس الاركان ووزير الطاقة ومساعد وزير الخارجية وقائد القوات المركزية ‏الجنرال شوارزكوف، ووزير الخزانة ومدير السي آي ايه، وكان اول ما قاله ‏بوش يتلخص في ثلاث نقاط:‏
    ‏- لايمكن قبول ما حدث وليس هناك شيء قابل للتفاوض أو حل وسط.‏
    ‏ -لابد من تعبئة الراي العام الأمريكي والعالمي في صف الولايات المتحدة.‏
    ‏- إن الولايات المتحدة هي المسؤولة عن العمل وبالتالي فإن ما هو مطروح ‏للبحث الآن هو خطط العمل.‏
    وحين جاء دور وزير الطاقة قال: ان ما حدث سوف يسبب فوضى في اسواق ‏البترول، ولايمكن للولايات المتحدة ان تسمح بزواج مليون جندي عراقي وثلثي ‏انتاج البترول في الشرق الاوسط.‏
    اما العسكريين ممثلين بباول فكان رأيهم:‏
    ضربة جوية قوية موجعة

    أو

    التدخل العسكري الشامل على أوسع نطاق طبقا للخطة 1002-90‏
    ثم وصل الى اخطر نقطة في عرضه وهي: ان هذه الخطة هي الخيار الحقيقي ‏المؤثر، ولكن شرطها الرئيسي هو وجود قاعدة لحشد القوات، وهذه القاعدة ‏لايمكن أن تكون إلا السعودية.‏
    وأضاف وزير الخزانة من عنده قوله: بدون وجود قاعدة عربية نعمل منها فإننا ‏نواجه فيتنام أخرى. ثم خلصت المناقشات الى ثلاث نقاط اتفق عليها الجميع ‏وهي:‏
    ‏- لابد من الاتصال بالملك فهد لتأمين وجود القاعدة الوحيدة الممكنة لتنفيذ ‏الخطة.‏
    ‏- يستحسن المسارعة على الفور إلى إغلاق خطوط انابيب البترول العراقي عبر ‏السعودية وتركيا.‏
    ‏- لابد من ترتيبات خاصة يتحمل بمتقضاها (عرب البترول) (هكذا وردت الكلمة ‏في النص الانجليزي) تكاليف الخطة العسكرية، فالولايات المتحدة ليست مستعدة ‏لدفع دولار واحد، واذا كانت امريكا على استعداد لان تعطي الدم، فعلى ‏‏(أصحاب البترول) أن يقدموا من مالهم ما يغطي نفقات الحملة.‏
    فهم بوش من مستشاريه ان السعودية لم توافق على استقبال 24 طائرة امريكية، ‏وقالوا له: اذا لم توافق السعودية الى الان على استقبال الطائرات، فكيف ‏سيوافقون على استقبال مائة الف جندي لتنفيذ الخطة 1002-90؟؟ اذا لابد من ‏ان يقوم الرئيس بنفسه بالاتصال مع الملك السعودي.‏
    هنا تولى بوش الاتصال مع الملك فهد لأنه أدرك أهمية الاتصال، وفعلا تم ‏اتصال بوش مع فهد، وفيما بعد لخص بوش المكالمة لمستشاريه بقوله:‏
    ان فهد في حالة صدمة – غاضب الى اقصى درجة – يطالب بضرورة اجبار ‏صدام حسين على الخروج من الكويت.‏
    لكنه (والكلام لازال لبوش) فوجيء بطلب انزال قوات عسكرية امريكية في ‏السعودية، لأن وضع المملكة الحساس وتواجد الاماكن الاسلامية المقدسة لدى ‏كافة المسلمين يجعل المهمة مستحيلة وتواجد قوات غير اسلامية يثير ثائرة الدنيا ‏ويزلزل حكم ال سعود.‏
    وحاول بوش افهام فهد وكل زعيم عربي اتصل معه ان صدام لن يتوقف في ‏الكويت فحسب، بل سيكمل طريقه الى السعودية والى كل دول الخليج ايضا. ‏
    وراح يثور ويهيج اكثر مما هو هائج وخرجت منه عبارة في غاية الدناءة ‏والوضاعة وهي:
    هذا البلطجي العربي التافه يتحدى رئيس الولايات المتحدة ‏سألقنه درسا لن ينساه.‏
    لاحظوا ما قال ( البلطجي العربي التافه) كان يمكن أن يقول مثلا العراقي بدون ‏العربي، لكن لانه حاقد على ابناء العروبة كلهم نظرا لميوله الصهيونية، فقد ‏استخدم كلمة العربي التافه بحق صدام حسين، وبهذا هو يشتم العرب كلهم بالواقع ‏وليس صدام فقط.‏

    للامانة والتاريخ نقول ان فهد في البداية لم يكن مبتهجا للعرض الامريكي بحماية ‏السعودية، فالدولة السعودية لها خاصية تميزها عن كل بلاد العرب والاسلام ‏وهي وجود اقدس وأطهر اماكن الدنيا فيها، عدا عن انها موطن النبي محمد ‏صلى الله عليه وسلم والمهد الاول لرسالة الاسلام الخالدة، وهي المكان الذي شهد ‏من قبل معارك المسلمين وانتصاراتهم، ناهيك عن الاف مؤلفة من الصحابة ‏والتابعين المدفونين في تلك البقاع الطاهرة.‏
    لكن بنفس الوقت كان وجلا من الاخبار التي ترد من واشنطن عن ان الجيش ‏العراقي يتقدم نحو المملكة وهي اخبار عارية عن الصحة.‏
    الان امام بوش وادارته أمرا في غاية الاهمية وهو كيفية اقناع القيادة السعودية ‏بأن صدام يشكل خطرا عليهم وان الذي يفطر بالكويت لابد أن يتغذى بالسعودية ‏ما العمل اذا ؟؟

    هنا جاء دور بندر...
    وصل بندر بن سلطان الى البيت الابيض يوم 3/8/1990 في الساعة الثالثة بعد ‏الظهر واجتمع على الفور مع المستشار سكاوكروفت الذي كان قد قال من قبل ‏لجورج بوش: ((ان منفذنا الى الملك فهد هو بندر بن سلطان، ويجب ان يكون ‏لبندر منفذا مباشرا اليك عند الضرورة)).‏
    حاول المستشار اقناع الامير ان صدام سيكمل طريقه الى السعودية وانه لابد من ‏تعاون السعودية مع امريكا لاجل الحماية، وان الرئيس بوش ميال لتقديم ‏المساعدة بأية طريقة ممكنة،
    فقال بندر:‏
    هل تمتلكون الشجاعة للذهاب معنا حتى انلهاية ام تريدون ان تمدوا يدكم ثم ‏تسحبوها وتتركونا مع هذا الرجل – صدام حسين – على حدودنا وقد جن ضعفي ‏ما هو حاله الآن ؟
    فأجاب المستشار: اننا في منتهى الجدية ولكن عليكم أن تقبلوا بقدوم القوات ‏الامريكية.‏
    في تلك اللحظة دخل بوش الى مكتب المستشار فلم يكلف خاطره السلام على ‏سفير دولة عربية اسلامية، بل حتى لم ينظر الى وجه بندر وانما نظر فورا الى ‏المستشار واشار بيده الى بندر قائلا:
    هل هذا هو صديقك؟؟ يا للتأكيدات ‏المضحكة، وكان بوش يريد ان يشير الى تأكيدات بندر بعد اجتماعه مع صدام ‏من ان العراق لن يقدم على خطوات عنف ضد الكويتيين..
    وضحك بندر ضحكة ‏مكبوتة لكنها متألمة من تجاهل بوش حتى السلام عليه. لكنه أضاف: ايها السيد ‏الرئيس: لقد تم استغلالنا معا.‏
    بوش: الكويتيين طلبوا مساعدتنا بعد دقائق من دخول الجيش العراقي فهل تنوون ‏انتم ايضا طلب المساعدة؟
    بندر: مانوع المساعدة التي يمكن ان تقدموها وما نوعية الاسلحة والطائرات، ‏لابد ان يقف جلالة الملك على كل هذه التفاصيل، اذا كان الأمر جديا.‏
    امتعض بوش من العبارة الاخيرة لبندر (اذا كان الأمر جديا) فرفع صوته بنبرة ‏حادة قليلا قائلا: هذا ليس من اختصاصي ولااختصاص المستشار، اذهب الى ‏باول وتشيني وسيقدمون لك القائمة، ثم علت نبرة صوته اكثر وقال بحدة: اسمع ‏انت... ليس هنا مجال الرهانات على الشرف، انني اتعهد بشرفي ان اسير في ‏هذا الموضوع الى النهاية.‏

    هنا، اتصل سكاوكروفت بتشيني قائلا له: ان الرئيس يريد منك اطلاع بندر على ‏الخطط وصور الاقمار الاصطناعية، اطلعه على كل ما لدينا، فرد تشيني: ‏سيكون البنتاغون في استقباله بعد ساعة من الان.‏
    ولعلي اشير الى ما ذكره الاستاذ الفاضل حمدان حمدان في كتابه القيم (الخليج بيننا) اذ قال الاستاذ حمدان:
    ((طبعا لم يكن هناك شيء اسمه غزو العراق للسعودية وانما كانت لعبة سياسية، ‏وهناك فرقا بين ما كانت عليه الفرق العراقية قبل الاجتياح وما هي عليه الان ‏وقد انتشرت في ارجاء الكويت واتخذت وضعا عسكريا دفاعيا على حدود الدويلة ‏المحتلة حديثا.
    اذ لايعقل ان يفكر العراقيون باحتلال السعودية أو شن هجوم ‏عيها، فالتحضيرات اللوجستية العراقية كانت ناقصة حتى وقت قريب من الدخول ‏الى الاراضي الكويتية، وان من الحماقة الاستنتاج بأن العراق سيشن هجوما على ‏السعودية مماثلا للهجوم الذي شنه على الكويت، اذ يجب الوضع في الحسبان ‏معادلات الحرب ونسبة القوى واحتمال تدخل اكيد من قبل حاملات الطائرات ‏الامريكية في البحرين والمتوسط والاحمر)).‏
    وصل بندر الى البنتاجون وعلى الفور بدأ الاجتماع مع تشيني وباول الذي لخص ‏امامه العناوين الرئيسية كما يلي:
    اربع فرق – ثلاث حاملات طائرات – اسراب ‏هجومية كثيرة (لم يذكروا عددها امام بندر) ثم سمحوا له بالاطلاع على روزنامة ‏تدفق القوات الى السعودية بعد تحديد ساعة الصفر.‏
    سأل بندر: كم عدد القوات ؟
    تردد باول في الاجابة لكنه قال: بين مائة الى مائتين الف جندي ( لكن الواقع ‏كان يقول ان 400 الف جندي تدفقوا على السعودية)‏
    بندر: (مطلقا صفير من بين شفتيه ) يبدو ان الامر في غاية الجدية!!!‏
    باول: نعم بالغ الخطورة، ولكنه يفقد معناه اذا لم تكن له قاعدة على الارض.‏
    وافق بندر على كل شيء قائلا: أعدك بأنني سأنقل ذلك الى الملك ووالدي وعمي ‏وسوف نرى ما يمكن فعله.‏
    وهنا بدأت واحدة من أكبر عمليات الخداع في تاريخ العرب الحديث، وبد دق ‏أكبر اسفين في العلاقات بين الدول العربية بواسطة الد اعداء العروبة والاسلام، ‏الادارة الامريكية التي لعبت لعبة قذرة بالتعاون بين المخابرات الامريكية ‏والبنتاجون.‏

    اتصل بندر بالملك فهد الذي كان يريد أن يتأكد من ابن شقيقه أن التهديد حقيقي ‏وليس قناعا لنقل القوات الأمريكية إلى أراضيه، فقال له بندر:‏
    جلالة الملك ان صور الاقمار الصناعية تدعم الحجة القائلة بأن المملكة تواجه ‏تهديدا حقيقيا.‏
    فهد: هل رأيت الصور بأم عينيك أم لا ؟
    بندر: نعم سيدي رأيتها
    فهد: اطلب منهم أن يحضروا وأن يجلبوا معهم الصور.‏
    بعدها اتصل بندر بابن عمه تركي بن فيصل رئيس المخابرات السعودية ودار ‏بينهما تقريبا نفس ما دار مع الملك فهد.‏
    اتصل بندر ايضا بـ سكاوكروفت قائلا له: انني قررت الذهاب بنفسي الى ‏السعودية لكي انقل صورة لما رايت وسمعت، لا الرسائل ولا البرقيات يمكن ان ‏تنقل ما هو كاف، واعتقد انني أؤدي دورا مفيدا في هذه اللحظة ، فأنا أشعر ان ‏المملكة تحس بحالة عري كامل إزاء الموقف الذي واجهته، فالاسرة والدولة في ‏حالة انكشاف كامل، وكلهم مصاب بالخوف والهلع وعاجز عن اتخاذ اي قرار.‏
    وكان سكاوكروفت من انصار سفر بندر الذي استأذن عمه بترك مقر عمله ‏والقدوم الى جدة، لكن فهد طلب منه ان يبقى هناك ليكون قريبا من دوائر صنع ‏القرار، فألح بندر قائلا: الاخوان هنا يريدون ان يسمعوا منا، فرد فهد: المهم قبل ‏ان يسمعوا منا يجب أن يعرفوا ويدرسوا جيدا موقفهم.‏
    سافر بندر الى الدار البيضاء أولا للقاء والده الذي كان يقضي اجازة بعد عملية ‏جراحية في ركبته اجراها في سويسرا، وضع بندر والده بالصورة لما رآه ‏وسمعه في واشنطن ثم التقى الاثنان مع الملك الحسن.‏

    لو نظرنا سريعا الى موقف امراء ال سعود لوجدنا تباينا في المواقف، فالامراء ‏الكبار في السن كانوا دائما حريصين على مراعاة المظاهر والمحافظة على ‏الشكل، كذلك حرصوا على أن يكون هناك غطاء معقول للحقائق التي تفرض ‏نفسها على المملكة، ومعظمهم كان يستبعد اقدام الجيش العراقي على غزو ‏السعودية، لكن مجرد احتلال العراق للكويت، سيجعل التعامل معه مهينا لكل ‏القبائل والاسر الحاكمة في شبه الجزيرة العربية.‏
    كان الامراء الكبار في السن يريدون اخراج العراق من الكويت، لكن بشرط أن ‏لايتورطوا هم بهذا.‏
    اما الامراء الشبان، فقد كان رأيهم مختلفا، ان الظروف تغيرت، والمحاذير التي ‏كانت تحكم تصرفات افراد الاسرة فيما مضى لم يعد لها داع الان، واستشهد ‏أحدهم بالسادات الذي زار القدس منفردا جهارا نهارا دونما اعتبار لأحد او حتى ‏وضع بالبال حكاية مشاعر العرب أو المسلمين. وان العنصر الوحيد الذي ‏يستحق الاهتمام هو أمن الاسرة والمملكة ولايمكن أن تتعايش المملكة في شبه ‏الجزيرة العربية مع صدام حسين.‏

    كان جورج بوش يخشى من ثلاثة أمور: ‏
    ‏- أن يؤثر حسين على فهد ويجعله يقبل حلولا وسط.‏
    ‏- حتى لو انسحب العراقيون من الكويت، فإنهم سوف يتركونها بلدا تابعا وسوف ‏تنتقل عدوى التبعية الى كل دول الخليج
    ‏- ليس هناك ضمان بألا يعود الجيش العراقي الى تكرار ما فعله مع الكويت في ‏فرصة أخرى.‏
    ثم ما لبث أن بدى استغرابه من الملك فهد الذي لم يطلب المساعدة حتى هذ ‏اللحظة، لكن تشيني كان له رايا آخر وهو أنه يعول كثيرا على جهود بندر مع ‏الملك فهد، فقال بوش : ان بندر كان يقول ان المملكة عارية تماما من اي غطاء ‏ونحن نوفر لهم اقوى غطاء ومع ذلك يترددون.‏
    هنا تدخل جون سنونو رئيس هيئة المستشارين في البيت الابيض وهو يحمل ‏مواريث عربية نظرا لأصوله اللبنانية فرفع يده – على طريقة من يستأذن ‏للحديث – ووجه حديثه لبوش:
    سيادة الرئيس ألا يمكن أن يكون الملك بحاجة إلى ‏غطاء آخر يؤمن له ظهره وأجنابه ؟ أظن ان الملك فهد بحاجة الى غطاء عربي ‏أو اسلامي أو الاثنين معا..إن فهد يحس بالحرج الشديد اذا طلب قوات امريكية ‏مسيحية لتحمي بلده العربي الاسلامي واما اذا ذهبت القوات الامريكية في إطار ‏أوسع يشارك فيه عرب ومسلمون فإن المسألة في هذه الحالة يمكن أن تكون ‏PALATABLE ‎‏ (أي مبلوعة).‏
    أعجبت الفكرة بوش وقال انه سوف يعمل على توفير مثل هذا الغطاء العربي ‏والاسلامي، ثم التفت الى تشيني طالبا منه أن يذهب بنفسه الى السعودية ويأخذ ‏معه شوارزكوف حتى تقوم بدفعة أخيرة تحسم تردد فهد.‏
    ومن كامب ديفيد عاد الرئيس بوش لممارسة دبلوماسية التلفون، فاتصل بالملك ‏الحسن في الرباط وبحسني مبارك في القاهرة طالبا منهما ارسال قوات الى ‏السعودية. كما طلب ايضا الى حسني اقناع الاسد بارسال قوات سورية ايضا الى ‏السعودية لتكون الى جانب القوات العربية الأخرى.‏
    وغني عن القول ان الدول التي تدور في فلك السياسة الامريكية سواء العربية أو ‏غيرها بدأت بإرسال قواتها الى السعودية ليصل عدد قوات التحالف الى ثلاثة ‏وثلاثين دولة.‏
    وبدأ توافد القوات العربية وغير العربية الى السعودية، وهنا نذكر امرا بهذا ‏الخصوص، ان طائرة قادمة من جمهورية افريقيا الوسطى هبطت في مطار ‏القاهرة من غير اذن، وحين فتح الباب نزل منها عدد من الجنود، وطالب قائد ‏القوة الصغيرة سرعة نقل قواته الى المملكة العربية السعودية لتنضم الى التحالف ‏وحين شرح اهداف مهمته قال: انهم سمعوا في افريقيا الوسطى ان المساعدات ‏توزع بسخاء على الدول التي تشترك بقواتها في التحالف، وان حكومته وجدت ‏انها تحتاج بعضا من هذه المساعدات، فأرسلته مع قواته للانضمام الى مجموعة ‏قوات التحالف.‏
    وحين وصلت هذه القوة الافريقية الى السعودية احتار السعوديون ماذا يمكن ان ‏يفعلوه حيالها، وفي النهاية رحبوا بها ضمن اطار التحالف لكي يزيد عدد اطرافه ‏بدولة جديدة.‏
    وعلى الجانب الاخر، حين ارسلت باكستان قواتها الى السعودية، لم يستطع ‏الجنرال ميرزا اسلام رئيس اركان الجيش الباكستاني ان يخفي ما يعرف، فقال ‏علنا في مؤتمر صحفي: إن هناك مؤامرة لتدمير العراق باعتباره بلدا مسلما.

    قبل أن نسهب الحديث عن جولة تشيني لعله من المفيد ذكر هذه الحاشية.‏
    اذا كان صدام حسين قد قال يوما ما ان البشرية ستكون بخير لو لم يكن فيها ‏عنصرين بشريين هما: اليهود والفرس، فإن تشيني يرى ان عنصرين بشريين ما ‏كان يجب ان يكونا على وجه الارض وهما: العرب والمسلمين.
    هذه هي عقلية ‏تشيني التي لاتختلف ابدا عن عقلية بوش،(وهنا أتوجه بالشكر الجزيل لأخي ‏أبوبشار فارس القلعة على المعلومات التي زودني بها بحكم اطلاعه على ‏الصحف والمجلات الانجليزية والامريكية التي كتبت كثيرا عن هذا الشخص،)
    ‏فتشيني عمل مع بوش الاب، ولانه على نفس عقلية بوش الابن اختاره الى ‏جواره ليكون نائبا له. ولن نتحدث كثيرا عن عقلية هذا وذاك وما يؤمنون به لان ‏الموضوع اشبع بحثا في منتديات الانترنت، ولعل البعض قرأ موضوعا في ‏الساحة العربية كان بعنوان كيف يعمل هذا التنظيم الارهابي، وهذا التنظيم هو ‏الذي ينتمي اليه هذين الاثنين.‏
    المشكلة تكمن انه حين قال صدام حسين يوما ما عن بوش انه شخص شرير، ‏أجابه زعيم عربي خليجي قائلا: انا اعرف الرئيس بوش وهو طيب القلب !!
    ‏ونحن نقول لهذا الزعيم الخليجي ان طيب القلب هذا تجاهل الاعراف الدبلوماسية ‏بين الدول وتعمد ليس ان لايسلم على ابن أخيك حين تواجده في البيت الابيض ‏فحسب، بل ان لاينظر إلى وجهه. فإذا كان طيب القلب هكذا نفسيته تجاه العرب ‏والمسلمين فكيف بنفسية وعقلية وزير دفاعه الصهيوني حتى النخاع.‏
    أنا أريد من اخواني السعوديين الذين يقرأون هذا الكلام، ان يكونوا مقتنعين مائة ‏بالمائة ان العراق لم يكن بوارد ارسال جيشه الى السعودية ابدا، انظروا فقط الى ‏الخريطة وشاهدوا بأعينكم كم المسافة بين بغداد والرياض ؟ وبين بغداد وجدة أو ‏المدينة ؟ هل يمكن لجيش قوامه 50 الف جندي ان يسيطر على كل السعودية؟ ‏وهل من المعقول ان يبقى أهل السعودية متفرجين وهم يرون (جيش البعث ‏الكافر حسب زعم البعض منكم) وهو يقترب من الاراضي المقدسة؟؟ وكيف ‏سيكون حال الجنود العراقيين حين وصولهم الى الرياض مثلا ؟
    وأنا لا أفرض يا اخوان رأيي على أحد ، هذا الكلام كله يعتبر نابع من قلب ‏مجند عراقي رأى كل شيء بعينه وعاش الاحداث لحظة بلحظة، فعندما أؤكد ان ‏جيشنا لم يكن ابدا بوارد غزو السعودية ، لا اقول هذا الكلام لانني عراقي مجند ‏في الجيش في ذلك الوقت ادافع عن بلدي، لا، ولكن من باب حدثوا العاقل بما ‏يعقل.‏
    يا اخواني كانت تلك خديعة كبرى من امريكا ساهم فيها مع الاسف بندر بن ‏سلطان ولعب لعبته القذرة، وانا ارجو ان لايظن أحد أنني أهاجم اسرة ال سعود، ‏ففيهم الصالح والطالح مثلهم مثل باقي خلق الله عز وجل، وستقرأون في سياق ‏الكلام التالي ما حدث حين زار تشيني جدة.‏
    ثم ان رجالكم على الحدود أكدوا لقادتهم انهم لم يلحظوا ولاجندي عراقي واحد ‏قريبا من حدود السعودية.. هذ ما قاله رجال كشافة الحدود عندكم وليس كلامي ‏انا.‏

    نعود الى تشيني بعد الاستطراد اياه.
    ولابد من أن أضيف أمرا هاما يتعلق ‏بالعلاقة بين العرب وأمريكا، المشكلة تكمن انه حين يزور مسؤول أمريكي رفيع ‏المستوى أي دولة عربية، تتعامل وسائل اعلام الدولة التي يزورها المسؤول ‏الامريكي مع الزيارة وكأنها زيارة ملاك قادم من الجنة، فتقرأ المقالات هنا ‏وهناك وتسمع التحليلات التي تتحدث عن العلاقات بين البلدين وسبل تطويرها ‏وان الرئيس الامريكي الفلاني أشاد بالحاكم العربي الفلاني يوما ما وانه معجب ‏جدا بأفكار الزعيم العربي الفلاني وبحكمته السديدة ونظرته الثاقبة للاحداث على ‏الساحة العالمية وكل هذه الترهات والخزعبلات.
    نفس الامر يتكرر حين زيارة ‏مسؤول عربي (وخصوصا اذ كان رئيس أوملك أو شيخ) فترى وسائل الاعلام ‏العربي لاتنفك تكرر هذه الجملة :
    وسائل الاعلام الامريكية تهتم بزيارة السيد ‏الرئيس او صاحب السمو او صاحب الجلالة.. متناسين على ما يبدو ان عددا ‏كبيرا من الشعب الامريكي لايعرف أين تقع دولة هذا الرئيس او الشيخ او الملك ‏على خريطة العالم فحسب، بل حتى لايدري إلى أي حزب ينتمي الرئيس ‏الامريكي نفسه.‏
    ناهيك عن أن وسائل الاعلام العربية لاتبرح ايضا تكرر عبارات ممقوتة من مثل ‏ان الزعيمين بحثا الاوضاع الراهنة والقضايا المستجدة والعلاقات الثنائية وان ‏الرئيس او الشيخ او الملك شكر شعب الولايات المتحدة على حسن الضيافة ‏والكرم وما الى ذلك من عبارات الكذب والنفاق والدجل.‏
    يا سادة، ان زيارة مسؤول امريكي مثل وزير الخارجية او الدفاع او نائب ‏الرئيس الى اي دولة عربية هي زيارة غطرسة وتكبر وتعالي وهي بالدرجة ‏الأولى لاملاء الأوامر مثلما يملي المدرس على التلاميذ درس النحو والاملاء، ‏وزيارة أي مسؤول عربي مهما كانت درجته إلى الادارة الأمريكية هي لتلقي ‏الأوامر ومعرفة ما اذا كانت الأوامر السابقة قد نفذت بحذافيرها ام لا، وقبل ذلك ‏لتقديم فروض الطاعة والولاء للسي اي ايه والبنتاجون ومن ورائهم منظمة آيباك ‏و(الموساد).‏
    الامريكيين يبحثون العلاقات الثنائية مع دول غرب أوربا واليابان والصين ‏والصهاينة والدول التي لم تخضع لسيطرتهم ولو كانت دولة صغيرة مثل بلجيكا، ‏هذه الزيارات بين مسؤولي تلك الدول وبين المسؤولين الامريكيين هي لبحث ‏العلاقات والتعاون، وليست الزيارة بين الحاكم الامريكي والمحكوم العربي.
    ‏وسترون في سياق زيارة تشيني ما يثبت صحة هذا الكلام، راجيا منكم التمعن ‏جيدا بقراءة هذه الفقرات الهامة.‏

    اتصل تشيني ببندر بن سلطان في جدة واخبره: إن الرئيس قرر أن أجيء بنفسي ‏لمقابلة الملك ومعي أفكار طيبة قد يجدها مفيدة،
    فأجاب بندر: ان الملك ليس ‏متحمسا لزيارة يقوم بها تشيني بنفسه، فوصول وزير الدفاع الامريكي الى ‏المملكة في هذه الأجواء يمكن أن يثير تساؤت كثيرة محرجة،
    فرد تشيني: إنني ‏قادم على اية حال بأمر ورسالة من الرئيس ولا اعتقد أن أحدا بإمكانه أن يرد ‏مندوبا رئاسيا يمثل الولايات المتحدة الامريكية.‏
    وبعد برهة اتصل بندر بسكاوكروفت يقول له: ان الملك على استعداد لاستقبال ‏تشيني فدعه يأتي على الفور.
    اما الجنرال كولين باول فكان تعليقه على اجتماع ‏كامب ديفيد (بوش مع اركان ادارته) ان الرئيس ليس ذاهبا لمنع هجوم من ‏العراق، ولكن لهجوم على العراق.‏
    كان تشيني قد اجرى بروفة في الطائرة على السيناريو الذي سيتبعه حين مقابلة ‏الملك فهد وماذا سيقول له هو والجنرال شوارزكوف، وهو الذي قرأ تقريرا ‏كاملا عن طباع الملك وعاداته وكذلك عن بعض افراد الاسرة الرئيسيين والذين ‏يشكلون العمود الرئيسي للحكم، كذلك قرأ تقريرا عن تاريخ المملكة والاماكن ‏المقدسة فيها ومناسبات الصوم والحج. ‏
    وهو في الطائرة تلقى خبرا يقول ان العراق بدأ بسحب قواته من الكويت بعد ‏تشكيل حكومة مؤقتة من ضباط شبان قادوا الثوة على ال الصباح، ايضا تلقى ‏رسالة من بيكر نقل له فيها مشروع القرار الامريكي الذي عرض على مجلس ‏الامن وحمل رقم 661 والذي فرض عقوبات اقتصادية على العراق لم يسبق لها ‏مثيل في تاريخ فرض العقوبات الدولية على اي طرف.
    على أن أخطر بند في ‏هذا القرار كان هذا الذي يقول: بوقف صادرات العراق من البترول تماما. وغني ‏عن القول ان هذا القرار الجائر صيغ وكأنه قميص حديدي محكم يخنق العراق ‏خنقا بطيئا. ‏
    كان تشيني يتذكر انه اثناء الحرب بين ايران والعراق، حاولت امريكا اخافة ال ‏سعود من ايران، وادعت يومها أن صور الاقمار الاصطناعية تشير الى ‏تحشدات ايرانية هدفها اختراق الفاو فالكويت فالسعودية.. وليحكم القاريء بنفسه ‏على هذ الأمر وما يليه.‏
    كذلك كان يتذكر وصية من وولفويتز ان عليه اقناع ال سعود ان غزو العراق ‏للسعودية أمر حتمي وأن لدينا معلومات مؤكدة حول هذا الموضوع.‏
    في يوم 6 أغسطس هبطت طائرة تشيني في مطار جدة وبصحبته شوارزكوف ‏وروبرت جيتس نائب مدير السي آي ايه، وكان تشيني مسلحا بذلك القرار الجائر ‏بطريقة لاتسمح له إلا أن يربح.‏
    كان بندر في استقباله في المطار، وقد سأله تشيني: كيف حال الملك : فرد بندر: ‏مشغول باستطلاع رأي العلماء المسلمين حول مسألة مجيء قوات أمريكية إلى ‏السعودية.‏
    دمت لنا فخراً يا عراق


  3. #13
    في نفس اليوم مساء كان تشيني ومعه الوفد يدخلون الى غرفة الاجتماعات في ‏قصر جدة الصيفي، وهي غرفة مخصصة لاجتماعات الاسرة، وكان في ‏استقبالهم الملك فهد ومعه ستة من كبار الاعضاء البارزين في الحكومة ‏السعودية، ، وحين جلس الجميع كل في مكانه كان الامير عبد الله يجلس جانبا ‏وحده في ناحية وعلى وجهه تبدو علامات الاستنكار والغضب !! وكان حاضرا ‏ايضا سعود وزير الخارجية، ونائب وزير الدفاع، فيما جلس بندر بين تشيني ‏وعمه فهد للترجمة.‏
    الاصول الدبلوماسية والأدب واللباقة والكياسة معدومة لدى الامريكان حين ‏يلتقون مسؤولا عربيا،هذه الاعراف مخصصة لدول غرب أوربا واليابان والصهاينة، فما بالك ‏إذا كان هذا المسؤول ليس من أشد الحاقدين على ابناء العروبة والاسلام فحسب، ‏بل يرى أن وجودهم على سطح البسيطة كان أمرا خطأ!!!!‏ ( ولعل البعض يتذكر ان ملكة بريطانيا نظرت يوما ما الى بوش الاب بكل احتقار وغضب لانه جلس قبلها على مائدة الطعام.. الامر الذي اضطره للقيام انتظارا لها حتى تجلس هي أولا ثم اعتذر منها فيما بعد..لا بل ارسل برقية اعتذار ثانية حين غادرت طائرته اجواء بريطانيا...).
    جلس تشيني بكل عنجهية وتكبر أمام الملك فهد، يتحدث بلهجة متعالية متغطرسة ‏متعمدا طوال فترة الاجتماع عدم النظر إلى وجه الملك فهد وعدم مناداته بلقب ‏صاحب الجلالة !!!‏
    بدأ الملك فهد الحديث عن العلاقة الشخصية التي تربطه مع بوش، حين كان ‏يشغل منصب وزير الداخلية ثم حين تولى ولاية العهد حيث كان بوش مندوبا في ‏الامم المتحدة ومديرا للسي آي ايه ثم نائبا لريغان، وانه معجب جدا ببوش ‏ومزاياه وأهمها الصدق فيما يقول ويفعل.!!!!!
    ثم بدأ تشيني الحديث بقوله: ‏
    ان الولايات المتحدة تعتبر السعودية شريكا وصديقا رئيسيا لها وانها وقفت ‏بجانبها في كل الظروف ابتداء من تواجد القوات المصرية في اليمن عام 1962 ‏ثم الحرب الايرانية العراقية مواصلا عرضه للموقف مباشرة الى التطورات ‏الاخيرة قائلا:
    ان السعودية تتعرض لأخطر تهديد في تاريخها ونحن بلد اعتاد أن ‏يأخذ التزاماته بجد واخلاص وقد ارسلني الرئيس الى هنا لاعزز لكم ما ذكره في ‏احاديثه التلفونية معكم وهو يضمن شخصيا الوفاء بضمانات الامن الامريكية ‏المقدمة اليكم.‏
    ان الرئيس بدأ باتخاذ اجراءات دبلوماسية وعملية بحصار العراق، واتصل بكل ‏من فرنسا والاتحاد السوفييتي والصين ليقفوا معنا كما تقف بريطانيا، وسوف ‏يسافر الوزير بيكر الى موسكو لتنسيق موقف موحد مع الاتحاد السوفييتي، ‏والرئيس بوش على اتصال يومي بكل من زعماء فرنسا وبريطانيا والمانيا ‏وتركيا واليابان وايطاليا وعلينا ان نتعاون جميعا لنتأكد أن هذا الرجل ( صدام) ‏لن ينجح. ‏
    ثم اضاف : اننا سنتعاون معكم في الدفاع عن اي هجوم محتمل على السعودية،
    وسنعمل على خنق العراق بالوسائل الاقتصادية وهذه العقوبات من وجهة نظر ‏الرئيس لن تكون كافية، لان صدام عندما يشعر بالضغط، فقد يجد مخرجا في شن ‏هجوم على السعودية، ولهذا علينا أن نكون مستعدين لهذين المستويين ( الدفاع ‏والخنق).‏
    ثم ترك الحديث لشوارزكوف الذي كان اول ما قاله هو:
    ((اننا نعتقد ان صدام ‏حسين يمكن أن يهاجم السعودية في ظرف 48 ساعة ونحن لا نعرف بم يفكر، ‏هناك 21 طائرة عراقية موجودة في إحدى القواعد القتالية ومعها حاملات ‏البترول التي تستطيع تزويدها بالوقود في الجو لكي تسمح لها بمدى عمل أبعد))‏
    ابن العراق يقول هذه الحاشية : بالله عليكم هل هذا كلام يمكن ان يصدقه عاقل ‏؟؟ اين الـ 21 طائرة وفي اي قاعدة توجد؟ وهل سبق ان زودت دولة عربية ‏طائراتها القتالية بواسطة حاملات البترول ؟؟؟
    من قبل في عام 1986 أمر ‏الجنرال حامد شعبان قائد القوات الجوية العراقية سربا من طائرات سوبر ايتندار ‏الفرنسية الصنع بقصف ميناء النفط الايراني في جزيرة لاراك مقابل شبه جزيرة ‏مسندم العمانية، وحين نجح الطيارين العراقيين بهذه المهمة الطويلة (مسافة ‏طولها 1650 ميلا) ثار الحديث يومها عن أن العراق زود تلك الطائرات بالوقود ‏وهي في الجو، لكن الواقع عكس ذلك، كان بود العراق ان يفعل ذلك، لكنه لم ‏يستطع، صحيح جرت محاولة باستخدام طائرات ركاب كحاملات للوقود إلا أنها ‏فشلت واضطرت الطائرات المقاتلة العراقية للتزود بالوقود في السعودية.
    ‏وأمريكا تعلم هذا الكلام علم اليقين، وتعلم أن المحاولة فشلت، والبنتاغون أصدر ‏تقريرا بهذا، نشر حينها في مجلة تدعى ( ‏aviation week‏).‏
    فهم الملك فهد ما يرمي اليه شوارزكوف وقال: كنا نعتقد ان صدام حين رجل ‏صادق ولقد قال لنا ولكم ولـ مبارك انه لن يهاجم الكويت وحدث العكس. لكن ‏الواقع ان الرئيس صدام لم يقل ذلك الكلام ابدا.‏
    ثم وصل فهد الى نقطة اساسية في حديثه فقال: اننا الان على بينة من نواياه، ‏وطالما أن الاستعداد كاف والقوة متوافرة، فإننا فهي وضع يسمح لنا بدفع هذه ‏العمليات العراقية وإنني لمتتن أن هذا يحدث.‏
    وفهم جميع الحاضرين ما تعنيه تلك العبارات.‏
    ثم راح شوارزكوف يتحدث بطريقة عسكرية عنيفة ومتعالية ومتغطرسة عما ‏يسمى درجة استعداد القوات العراقية وحجم تسليحها وان قامة الجيش العراقي ‏لاتصل الى عشرة اقدام !!!(تأملوا هذا الكلام الصادر من شخص يدعي انه ‏لديه الكثير من العلوم العسكرية!!!) (ما الرابط بين استعدادات الجيش العراقي ‏وبين قامة جنوده ؟؟؟)
    ثم أكمل: ضباط الجيش العراقي لايستطيعون الحركة الا ‏عندما يجيئهم الأمر، وسوف يكون اسلوبنا في التعامل معهم وفقا لما نقوله نحن ‏العسكريين: اقطع الرأس وسوف تجد أن الجسد لايعمل.‏
    ‏(لن نغربل هذا الهراء السخيف من وجهة نظر عسكرية، لأن طفل عمره عشر ‏سنوات يدرك ان هذا الكلام قيل وقتها للضحك على الذقون وهو يعتبر نوعا من ‏الاستهتار بالمضيفين العرب).‏
    ثم انتقل شوارزكوف الى القوات الامريكية المخصصة للخطة 1002-90، ‏فسأله الامير عبد الله عن حجم الفرقة الواحدة في الجيش الامريكي، فأجاب ‏شوارزكوف بأنها 18 الف جندي، وكان هذا يعني بحساب القوات المخصصة ان ‏حجم الجيش المطلوب حشده واصل في شهور قليلة الى 250 الف جندي.
    وهنا ‏أدرك تشيني بأن السقف الذي كان يخشاه ( اي تحديد السعودية لعدد القوات) قد ‏أمكن تجاوزه فتابع على الفور: تأكدوا أنه بعد 120 يوما نستطيع بمساعدة قواتكم ‏أن نلقي بهم في بحر الخليج أو أي مكان تريدون، لكن لم يبدو على الامير عبد الله ‏أنه انشرح كثيرا لهذا الكلام، فطلب الخرائط العسكرية التي تم ارفاقها مع خطة ‏العمليات وتساءل قائلا:‏
    ألا تلاحظون أن هناك فرقا بين الوضع الفعلي والوضع الفرضي للقوات العراقية ‏هناك ؟
    لكن تشيني تجاهل متعمدا الاجابة عن هذا السؤال وراح يعدد النقاط التي ‏أكدها الرئيس بوش ومنها أن القوات ستعود الى بلادها حين زوال الخطر ‏نهائيا..
    فتنهد الامير عبد الله تنهيدة بصوت مسموع وقال: نأمل في ذلك.‏

    ثم دارت مناقشات فرعية قال بعدها الملك فهد: يا معالي الوزير نحن موافقون ‏على المبدأ والله يساعدنا على ان نقوم بالعمل الذي يلزم.‏
    ثم استدار الى الامير عبد الله الذي كان متجهم الوجه وقال له: الكويتيون انتظروا ‏طويلا والان لم يعد هناك كويت.‏
    فرد عبد الله بعصبية ظاهرة: بل هي موجودة، ما يزال هناك كويت.
    فقال فهد بهدوء: صحيح لكن جميع الكويتيون يعيشون عندنا في الفنادق.‏
    ولم يقم بندر بترجمة ما دار بين اعمامه، ولكن السفير الامريكي فريمان الذي ‏كان يتقن العربية فهم ما يدور بين الملك وولي عهده وقام بترجمة ذلك لتشيني ‏فيما بعد.‏
    ثم أخيرا قال الملك: المهم الان ان نحمي بلدنا بالتعاون مع الولايات المتحدة وقد ‏فكرنا في دعوة بلاد عربية صديقة أخرى للاشتراك معنا ومعكم، وطبيعي القول ‏ان هذه الفكرة لم تكن مفاجئة لتشيني، لكنه رد بالقول: انها فكرة رائعة وعقب ‏الملك فهد بقوله: ان بعضهم اصدقاء لنا ولكم.‏
    ثم اختتم الملك حديثه بالقول: انه يقدم شكره الجزيل الى الرئيس ونائبه والى كل ‏الوزراء والى مجلس الكونجرس والى تشيني شخصيا، حيث انك جئت الى هناك ‏بهدف واحد وهو هدف مساعدة المملكة واني ارجو ان تنتهي المشكلة في المنطقة ‏بسرعة لكي أجيء اليكم في الولايات المتحدة وأقدم الشكر للجميع بنفسي.‏
    ثم اضاف الملك فهد اضافة اخيرة وهي انه كان بوده أن يقوم معالي الوزير ‏تشيني بجولة في المملكة ليرى حركة العمران والبناء، فنحن ال سعود استلمنا ‏هذا البلد وهو صحارى وقفار وقد صرفنا عليه بلايين الدولارات لنجعله دولة ‏حقيقية ولا يعقل أن نبني دولة ونتركها لصدام حسين.. لا اعرف لماذا احتل ‏الكويت؟ نزعة العدوان والتسلط ؟ هو يظن أنه يعرف كل شيء..‏
    لكن تشيني الذي كان يجلس مكرها في مجلس الملك، لم يكن على اي استعداد لان يهتم بأن يرى ‏حركة عمران وغيرها فحسب، بل كان يريد المغادرة بأسرع وقت ممكن، لذلك ‏اجاب الملك بأنه سوف يسافر في الصباح تاركا فريق العمل بعده في المملكة ‏لكي يرتب اجراءات كثيرة من الضروري ترتيبها، فنصحه الملك فهد بأنه كلما ‏قلل من حديثه الى وسائل الاعلام كلما كان هذا أفضل.‏
    فتولى بندر توضيح هذه النقطة بقوله:‏
    ‏- ان المملكة بحاجة الى وقت ترتب فيه نفسها واصدقاءها ووسائل اعلامها قبل ‏ان تظهر نتائج الاتفاق الى العالم، كما انه من المستحسن ان يكون الموقف ‏العربي معدا لقبول النتائج التي اسفر عنها اجتماع تشيني مع الملك فهد.‏
    ‏- ان الفرصة يجب ان تعطى للحشد الامريكي لأن يتم بهدوء دون ان ينتبه ‏صدام حسين (فهو ثعلب ماكر – حسب رأي صاحب السمو الملكي الامير ‏بندر !!!!!).‏

    عاد تشيني الى الفندق الذي كان يقيم فيه في جدة واتصل من هناك عن طريق ‏شبكة خاصة ببوش الذي كان مجتمعا مع تاتشر (صاحبة اللسان السليط والتي ‏لاتنتمي الى جنس الاناث بطبيعة الحال ولا تعي ماذا تعني كلمة أمومة) فطلب ‏تشيني قطع الاجتماع وتوصيله بالرئيس، وفور أن سمع صوته قال له:
    لقد وجه ‏الدعوة الينا وقبل الخطة كلها.... هكذا قال،،،، بدون أن يذكر اسم الملك فهد مثلا، ‏أو بدون أن يقول صاحب الجلالة وافق على خطتنا.... هكذا.... وجه الدعوة ‏الينا..... وكأنه يتحدث عن شخص مجهول، لا عن ملك عربي يحكم دولة فيها اطهر ‏مكانين في الدنيا. ‏
    فأجاب بوش: إنني سعيد للغاية ومارجريت هنا وهي سعيدة ايضا. فطلب تشيني ‏تفويضا من الرئيس لاجل الخطوة الثانية، فأجابه بوش: لديك التفويض وسأوقعه ‏حالا ولك أن تبدأ.‏
    ثم اتصل تشيني بكولين باول واخبره بموافقة الملك فهد وما درا بينه وبين بوش ‏وأنه كوزير دفاع عليه أن يبدأ التحركات.‏
    وبدأت طلائع القوات الامريكية ترافقها الطائرات بالوصول والهبوط في قاعدة ‏الظهران، وكتب بوش خطابا رسميا الى كل من رئيسي مجلس الشيوخ والنواب ‏بتاريخ 9/8/1990 يخطرهما فيه بأنه أمر باستخدام القوات المسلحة الامريكية ‏في منطقة الخليج ((الفارسي)) استجابة للدواعي التي نشأت بعد قيام العراق بغزو ‏الكويت وانه يبعث بهذا الخطاب الى المجلس بروح التشاور والتعاون بين الفرع ‏التنفيذي والفرع التشريعي في الحكومة الامريكية.‏
    يجدر بنا ذكر هذه الحاشية،
    ان الجنود الامريكيين (الغوغاء المرتزقة في معظمهم) لم يتصرفوا بروح ‏الانضباط الكاف حين نزولهم في السعودية، فقد كتبوا بكل وقاحة ودناءة على ‏بعض الطائرات التي تحمل الصواريخ عبارات موجهة بالواقع الى اهدافها تقول ‏للعراقيين: نادوا على (( الله)) فإذا لم يستجب لكم نادوا على المسيح.. وبعضها ‏يقول : نادوا على شوارزكوف.‏
    على أن بعض الصحف السعودية او الموالية للسعودية كتبت المقالات تلو ‏المقالات عن هذا الدنيء الصهيوني شوارزكوف وجعل البعض منه وكأنه امام ‏الجماعة أو امام عصره في الزهد والورع والتقوى والتدين وأنه أحب الاسلام ‏واعجب به وينوي الدخول في الدين الاسلامي .. وترهات وخزعبلات ما انزل ‏الله بها من سلطان. شيء لايخطر على بال الاطفال.‏
    سافر تشيني الى مصر، حيث طلب من حسني اعطاء الاوامر للسلطات المصرية ‏بالسماح لعبور حاملة الطائرات ايزنهاور من قناة السويس. طبعا حكى لحسني ‏مبارك ما دار اثناء اجتماعه مع فهد.
    غادر مصر بعدها وفيما طائرته فوق ‏ايطاليا تلقى أمر بالسفر الى المغرب للاجتماع مع الحسن، فعدل سيره الى الرباط ‏واجتمع مع الحسن الثاني واطلعه على كل شيء، وابدى له الحسن استعداد ‏المغرب الفوري لارسال قوات الى السعودية.‏

    قبل أن نتحدث عن مهزلة القمة العربية التي شرعت العدوان الثلاثيني على ‏العراق، نشير الى ان ياسر عرفات ومعه أبواياد نزلا في مطار جدة بنفس يوم ‏وصول تشيني، وحين وصلا الى القصر الملكي في جدة كان الجميع مشغولين ‏مثل خلية النحل، وحين سأل ياسر عرفات الذي بقي مع ابواياد ينتظران عن سر ‏هذا الانشغال والحركة؟؟ قيل لهما ان هناك اجتماع بين جلالة الملك وتشيني الذي ‏من المقرر ان يصل اليوم وان الملك يعتذر عن لقاء السيد عرفات.
    هنا المح ‏عرفات انه ينوي الذهاب الى النمسا للمشاركة في جنازة كرايسكي المستشار ‏النمساوي الذي كان يؤيد قضايا العرب وبالذات قضية فلسطين، ففهم مسؤول ‏المراسم في القصر الملكي الاشارة وغاب لدقائق ثم عاد ليقول ان جلالة الملك ‏وضع تحت تصرفكم طائرة تنقلكم الى النمسا واهلا بكم غدا لمقابلة الملك.‏
    عاد عرفات وأبواياد الى جدة ولكن على ما يبدو بعد فوات الاوان، فالوقت قد ‏فات وتشيني لعب لعبته والصيف ضيعت اللبن. ‏
    وفي يوم 7 اغسطس وصل عزة ابراهيم الى القاهرة واجتمع على الفور مع ‏حسني مبارك، وشرح له ظروف ما حصل، مبارك قال بعدها انه ابلغ عزة ‏ابراهيم دهشته من هذا الموقف المتعنت، لكن هذا لم يحصل، فكالعادة بقي ‏مستمعا لما قاله عزة ابراهيم الذي ذكر لحسني ان بوش لايخفي نواياه ضد ‏العراق وانه من المستحسن الدعوة الى قمة عربية.‏
    والواقع يقول، ان كل التحركات العربية بعد قدوم تشيني الى المنطقة باتت هباء ‏منثورا، فلم تعد تجدي اي لقاءات بين الاطراف العربية ولم يعد ممكنا تحقيق أي ‏شيء، لأن بوش قرر أمرا ما وقرر المضي في تنفيذه، لذلك باتت اللقاءات ‏العربية الثنائية مضيعة للوقت اكثر منها فائدة او كما ادعو محاولة لحل الازمة.
    ‏فمن الذي سيحل الازمة ؟ هل حسني الذي اطلع من تشيني على الخطط ‏الامريكية وبدا بإرسال القوات المصرية الى السعودية ام الحسن الذي نأى بنفسه ‏عن كل شيء وقرر ايضا ارسال جنود الى السعودية ؟ ام دول الخليج التي ‏استجارت بأمريكا على الفور.
    في الواقع كانت جولة تشيني هي الجولة التي ‏أجهضت كل حل عربي قبل أن يولد.‏
    لذلك فإن الحديث عن حلول عربية واجتماعات عربية هي في الواقع مضيعة ‏للوقت والجهد.

    مؤتمر قمة القاهرة.‏
    لو أراد من يكتب التاريخ أن يسجل جوابا على سؤال ما هو اسرع مؤتمر قمة ‏عربي تم عقده لما اختار ‏غير مؤتمر القاهرة الذي عقد في يوم 9/8/1990.
    شيء أبعد ما يكون ‏عن الواقع وأغرب من الخيال، لم يتفق العرب يوما على سرعة عقد أي مؤتمر ‏قمة عربي كما اتفقوا على هذا المؤتمر، ولعله هو المؤتمر الوحيد الذي تم ‏الاتفاق عليه بدون جدول أعمال وبدون تحضير مسبق كما العادة لوزراء ‏الخارجية العرب، بل حتى بدون إرسال مبعوثين من رئيس المؤتمر،
    على ‏الهاتف والاذاعات تم التحضير لكل شيء.‏
    السيد ياسر عرفات اطلق على هذا الاجتماع مؤتمر (قاتل وحدة العرب في القرن ‏الواحد والعشرين).
    تعالوا بنا لنرى كيف كان هذا الاجتماع من بداياته.‏
    كان الشاذلي القليبي أمين عام الجامعة التونسي الجنسية في حيرة من أمره، فقد ‏تم التحضير للمؤتمر من خارج هيئة الامانة العامة، فلا إعداد ولا أوراق ولا ‏مشاريع ولا قرارات مطروحة للبحث، ونتيجة لهذا الاستعجال طلبت تونس دولة ‏مقر الجامعة العربية تأجيل القمة لمدة يومين فقط كي يتسنى لهيئة الأمانة العامة ‏مع وزراء الخارجية العرب تهيئة مخطط عمل تسير عليه القمة قبل أن تمسي ‏كحاطب الشجر في ليل دامس، لكن الطلب التونسي لم يذهب أدراج الرياح ‏فحسب، بل بدا وكأنه ليس هناك من يستعد لمناقشته. ومن هنا، اعتذرت تونس ‏عن حضور القمة، فلم يبد أن أحدا انزعج لعدم حضورها.‏
    بدأ توافد الزعماء العرب وباقي أعضاء الوفود على القاهرة صبيحة ذلك اليوم، ‏وكان الجو قد أصبح خلال ساعات فقط متوترا، فقد شاعت اخبار الانتشار ‏الامريكي في السعودية ووصول اسراب الطائرات المقاتلة وحاملات الطائرات ‏والاساطيل والبوارج وتوافد الجنرالات الامريكيين الى الخليج، وبدا أن المنطقة ‏مقبلة على حرب، وأن القمة العربية ليست إلا وسيط بين مرحلتين، مرحلة الحل ‏العربي الذي تقرر دفنه قبل أن يولد، ومرحلة الحل الأمريكي الذي ولد فعليا في ‏جدة وسمع صوته في أنقرة من خلال تصريح جيمس بيكر الذي قال فيه ‏‏( الولايات المتحدة تبحث مع تركيا وسيلة لتعزيز فاعلية القوات الأمريكية على ‏أراضيها)
    وهو التصريح الذي صب الزيت على النار. وما زاد الطين بلة هو ‏تصريح جورج بوش الخطير في المؤتمر الصحفي الذي عقده في واشنطن ‏صباح نفس يوم القمة والذي قال فيه عبارته المشهورة:
    إنني رسمت خطا على ‏الرمال، وسبب هذا التصريح حيرة كبيرة، فأين يقع خط الرمال هذا وما هو ‏معناه وهل هي خريطة جديدة للمنطقة أم ماذا ؟ على أن خط بوش هذا على ‏الرمال قد استكمل مسيرته مع بيكر في جبال الاناضول في تركيا.‏
    وهذا ما أعطى انطباعا لبعض الوفود القادمة الى القاهرة بأن القمة العربية هذه ‏المجتمعة انما هي اجتمعت في إطارهذا الخط الذي رسمه بوش على الرمال ‏ومده بيكر الى الجبال وهو خط لايعرف عنه أحد ما فيه الكفاية ليتحدث عنه.‏
    لكن بعض القادمين الى مؤتمر القاهرة قد عرفوا عن هذا الخط أكثر من غيرهم ‏وأولهم هو الملك فهد، فقبل القمة بيومين تماما كان اجتماعه الحاسم مع ديك ‏تشيني وزير الدفاع الامريكي (وقد تحدثنا سابقا عن هذا الاجتماع مفصلا) وقلنا ‏فيه إن تشيني اطلع الملك فهد على الخطة 1002-90 وشاهد خرائطها وحجم ‏القوات اللازمة لها، وأعطى موافقته عليها، ومن هنا بدأت طلائع القوات ‏الأمريكية بالتوافد إلى السعودية، وبناء على موافقة فهد اصدر تشيني تعليماته من ‏السعودية نفسها الى رئيس أركان الحرب في واشنطن كولين باول بالعمل على ‏تنفيذ الخطة.‏

    أما الملك الحسن ملك المغرب ولأنه كان على علم أيضا بهذه الخطة فقد آثر ‏الابتعاد بنفسه وبأولاده عن حضور القمة العربية كي لايسجل عليه وعليهما أنه ‏حضر مؤتمرا يقرر فيه المجتمعون المساهمة في تدمير بلد عربي. لذلك حين ‏اجتمع المجتمعون في القاهرة كان البعض يعلم بهذه الخطة وعلى دراية بها ‏والبعض الآخر لايدري لم هو موجود هنا أصلا، فهو في واد والناس الباقين في ‏واد آخر، وكان هناك فريق ثالث من العرب ساورته الشكوك ولم يكن أمامه من ‏وسيلة لقطع الشك باليقين.‏
    حين وصل الوفد العراقي برئاسة طه ياسين رمضان الى القاهرة بدأ الاشكال ‏والتوتر، فقد أنزل المصريون الوفد العراقي في بيت للضيافة يدعى قصر ‏الاندلس وهو بعيد عن مقر تواجد باقي اعضاء الوفود العربية الأخرى، اي ‏بعبارة أخرى عزلت مصر حسني مبارك الوفد العراقي عن باقي الوفود العربية ‏كي تمنع اي اتصال بين العرب وبين العراقيين، والامر ليس بحاجة لكثير من ‏الذكاء ليعرف المرء أنها كانت تعليمات أمريكية.‏
    وحين سأل طارق عزيز: لماذا ننزل في احد قصور الضيافة ولا ننزل في مع ‏باقي الوفود في نفس الفندق ؟ كان الجواب السخيف الذي تلقاه هو:
    ان الوفد ‏العراقي يواجه مشكلة أمن تجعل حالته مختلفة عن حالة بقية الوفود، فقال طارق ‏عزيز (الذكي) هل المقصود حمايتنا أم عزلنا، اذا كان الامر يتعلق بالحماية فنحن ‏مستعدين ان نتحمل مسؤولية انفسنا ولكم ان تتركونا لقدرنا ونحن نثق بالشعب ‏المصري،
    فقيل له: ان المشكلة ليست الشعب المصري فالقاهرة صار فيها ‏عشرات الالوف من الكويتيين.. لكن طارق عزيز لم يقتنع واعتبرها محاولة ‏لعزل الوفد العراقي تحول بينه وبين الاتصال ببقية الوفود. وكان تفكيره سليما.‏
    ثم ما لبث أن حدث اشكال آخر، فحين تقرر عقد لقاء بين الوفد العراقي وبين ‏حسني، تقرر استبعاد طارق عزيز من هذه المقابلة، فقال طارق عزيز:
    نحن ‏جئنا كوفد واحد ومن الضروري ان نقابل الرئيس كلنا وانا اعتبر نفسي صديقا ‏للرئيس مبارك، لكن الرد من الرئاسة المصرية كان حاسما باستبعاده، فعلق ‏قائلا لبعض أعضاء الوفد العراقي (لا اعتقد انني سأموت اذا لم التق حسني ‏مبارك)، وحتى انه لم يجد حرجا من أن يسمع هذا الكلام لمضيفيه المصريين، على ‏مبدأ اللي باعك بيعه.
    وشغل نفسه بالاتصال بالشاذلي القليبي أمين عام الجامعة ‏ليسأله عن موعد الاجتماع التمهيدي لوزراء الخارجية العرب الذي يجب ان ‏يسبق القمة ويمهد لها، ولكنه فوجيء برد القليبي انه ليس هناك اجتماع لوزراء ‏الخارجية وانه هو نفسه يحاول الاتصال بالوفد المصري باعتباره ممثل الدولة ‏المضيفة لكي يسأل نفس السؤال.‏
    اختصر طارق عزيز المسافة واتصل بالوفد المصري الذي رد عليه: ان الموقف ‏معقد جدا وبلا سابقة وانه ليس هناك اجتماع لوزراء الخارجية وان الازمة ‏بمجملها ستعرض على الملوك والرؤساء ليروا رايهم فيها، فرد طارق عزيز انه ‏لم يعرف من قبل في السوابق الدبلوماسية أن مؤتمرا على مستوى القمة اجتمع ‏دون ان يسبقه ولو بساعات اجتماع لوزراء الخارجية يتفق على مشروع جدول ‏أعمال وعلى مشروعات قرارات.
    وكان الرد عليه ان الظروف الاستثنائية ‏تفرض أوضاعا استثنائية، فاجاب ساخرا: اذا استثنائيا سجلوا احتجاجي ‏الاستثنائي على هذا الوضع الاستثنائي.
    وكان الذي دعا طارق عزيز الى هذا ‏القول ما تناقله البعض في مؤتمر القمة هذا من خبر يقول ان اذاعة اسرائيل تندد ‏بالغزو العراقي لدولة الكويت (( الشقيقة)).

    عندما اجتمع حسني مع السيد طه ياسين رمضان (اكثر المتشددين بين اعضاء ‏القيادة العراقية) قال له طه ياسين رمضان: ان دولا عربية معينة قد تجاوزت حد ‏الامان وتورطت مع الامريكيين بغير عودة، ونحن نثق بك يا سيادة الرئيس وان ‏كنا قد فقدنا الثقة بالاخرين. ثم بدأ يشرح حال الازمة وما تقوم به الكويت وما ‏اكتشفه رجال الجيش العراقي من وثائق تدين الكويت وتثبت تآمرها ليس على ‏العراق فحسب، بل على كل العرب.‏
    كالعادة، خرج حسني بعدها ليقول في خطبه التهريجية السخيفة التي كان يلقيها ‏بمناسبة وبدون مناسبة ان طه ياسين رمضان اخبره ان اجراء ضم الكويت نهائي ‏ولا رجعة فيه، وأن الوفد العراقي قادم الى القمة لمناقشة الاوضاع العربية ‏بمجموعها وليس موضوع الازمة وحدها.
    وهذا كذب في كذب، فلم يحدث انه ‏قال طه ياسين رمضان هذا الكلام ابدا. وغني عن القول ان حسني مبارك اظهر ‏عداوة للعراق في تلك الازمة لاتقل عن عداوة اسرائيل نفسها.‏

    كان الشاذلي القليبي حائرا لايدري ماذا يفعل، واذا به يلتقي بسعود الفيصل الذي ‏سلمه ورقة راجيا منه طباعتها بواسطة سكرتارية الامانة العامة وتوزيعها على ‏الاعضاء، ولأن الوقت كان ضيقا فلم يشغل نفسه بقراءتها واعطاها لأحد ‏مساعديه من اجل طباعتها، فعاد المساعد بعد دقائق ليقول له ان هناك مشكلة في ‏النص، فالنص المكتوب في المذكرة يقول في البند السادس منه:
    ان القمة تقرر ‏الاستجابة لطلب المملكة العربية السعودية ودول الخليج الاخرى بنقل قوات ‏عربية لتنضم الى القوات المسلحة الموجودة فيها دفاعا عن أراضيها وسلامتها ‏الاقليمية ضد أي عدوان خارجي، وكانت العبارة التي أقلقت مساعد الأمين العام ‏هي (القوات المتواجدة فيها) وكان رأيه انه الان لاتوجد الا قوات امريكية تم ‏الاعلان عن نزولها في السعودية، فهل القوات العربية ستنضم الى القوات ‏الامريكية؟
    فراح الشاذلي القليبي يبحث عن سعود الفيصل ليشرح له المشكلة، ‏ففطن الوزير السعودي لهذه الغلطة وقال: اذا نعدل العبارة لتصبح لمساندة قواتها ‏المسلحة بدلا من الانضمام الى القوات الموجودة فيها.. شكرا معالي الامين العام ‏انك نبهتني الى هذه الغلطة !!!!..‏
    لكن على من هذا.. لقد أكد الجميع أنهم تلقوا قرارا مترجما من اللغة الانجليزية ‏الى العربية وأكد هذا الكلام جميع أعضاء الوفد الفلسطيني بما فيهم السيد ياسر ‏عرفات ثم اعضاء الوفد الاردني واربعة وفود عربية أخرى !!!‏
    كان النص قادما من واشنطن الى السفارة السعودية في القاهرة الى جهات معينة ‏في الحكومة المصرية نفسها، فتم التنسيق بين الحكومتين السعودية والمصرية ‏وتمت ترجمة القرار على عجل وتوزيعه على الوفود العربية.‏
    وزعوا القرار الامريكي للتصويت في مؤتمر قمة عربي يفترض فيه أنه اجتمع ‏لحل أزمة، تكهرب جو المؤتمر، واقبل طارق عزيز على الامين العام يسأله عن ‏مصدر هذا القرار؟
    فأجاب الشاذلي انه لايعرف ولكنه يظن انه وضع كمشروع ‏بالتشاور بين سوريا ومصر والسعودية وبعض دول الخليج، فرد طارق عزيز ‏بغضب وبصوت مرتفع:
    وهل يمكن أن يعرض على القمة مشروع قرار ‏لاتشارك في وضعه الا مجموعة قليلة من الدول، ان العراق يطلب رسميا اجراء ‏تحقيق فيما حدث،
    فرد القليبي: من الافضل ان تتفاهم الوفود مع بعضها مباشرة ‏دون داع لتوريط الامانة العامة التي لاتملك اي سلطة عليها.، ثم اضاف بمرارة : ومنذ متى كانت للجامعة العربية سلطة على الاعضاء ؟؟

    لن نتحدث عن هذا القرار السخيف جدا والتافه جدا لأن الحديث عنه يعتبر ايضا ‏مضيعة للوقت. ولانه دار حديث طويل بين اعضاء الوفود حول فقراته وحول ‏كل بند من بنوده التي اتضح لبعض المستشارين المشاركين للوفود العربية ان ‏كل بند منها يحمل لغما بحد ذاته. حتى ان العقيد القذافي لم يخف ما بصدره فقال ‏بصوت مرتفع فيما بعد عند التصويت عليه امام الزعماء:
    اذا هذا ما يريدون منا ان نختم بأصابعنا عليه.. ثم توقف امام ‏الشيخ زايد رئيس الامارات قائلا: لماذا لاتختصرون الطريق وتطلبون من ‏اسرائيل حمايتكم بدلا من الامريكان.
    وصارت حالة فوضى عارمة بين الوفود اختلط فيها الحابل بالنابل، زعماء مع ‏مستشارين مع وزراء مع ضباط حراسة وصحفيين وموظفو الجامعة وحتى الخدم ‏والسفرجية فقد اتيح للجميع ان يروا العرب على حقيقتهم وكيف يتصرفون في ‏اجتماعاتهم.‏
    بعد جهد جهيد أمكن لم الجميع الى الاجتماع الذي بدأ عند الساعة الحادية عشرة ‏والنصف بخطاب لحسني قال فيه انهم يطالبون بانسحاب الجيش العراقي من ‏الكويت واحترام حقوق الشعب الكويتي واعادة الحكومة الشرعية التي كانت ‏قائمة. ‏
    انفض الاجتماع وذهب المجتمعون لاداء صلاة الجمعة.‏

    بعد الصلاة اتفقوا على ان يعقدوا اجتماعا مغلقا وبنفس الوقت كان وزراء ‏الخارجية ينتظرون في قاعة أخرى.
    هنا سرت في أرجاء المؤتمر الكثير من ‏الشائعات والقيل والقال وان مشاجرة حصلت ودماء سالت وان طارق عزيز ‏ضرب بنعاله صباح الاحمد والكثير من هذا الكلام. ‏
    لم يحدث هذا ابدا والعراقيون ارفع من ان يقوموا بهذا العمل، الذي حصل انه ‏حين دخل طارق عزيز الى الغرفة المتواجد فيها وزراء الخارجية، اتخذ مكانه ‏بجوار سعود الفيصل الذي تحدث معه بطريقة غير لبقة ابدا ولاداعي لها قائلا: ‏
    هل أسلم عليك أو لا أسلم ؟ خاطبه بطريقة وكأن طارق عزيز سيخسر الدنيا اذا ‏لم يسلم عليه، فأجاب طارق: بالنسبة لي لم يتغير شيء، فرد سعود: بالنسبة لي ‏تغير كل شيء، فرد طارق: انت حر، على الاقل نحن عرب ولنحتفظ بالصداقة ‏كبشر طالما قررتم الوقوف بجانب الطرف الآخر رغم انكم تضررتم منه،
    ثم ما ‏لبث ان روى بعضا من المؤامرات على العراق، فتدخل صباح الاحمد قائلا:
    انا ‏الذي يقال عني عميل يا اخ طارق ؟ فرد طارق عزيز: والله لم نقل هذا ولسنا ‏نحن الذين قلنا، بل قالتها الاوراق التي وجدناها عندكم والتي تقول بتآمركم على ‏كل العرب وليس على العراق وحده،
    فوجدها صباح الاحمد اهانة وهم مسرعا ‏بالخروج من القاعة ولم يلحظ ان هناك بابا زجاجيا امامه فاصطدم به بعنف ‏بسبب سرعته فسال الدم من انفه على الفور، واسرع بعض من كان معه ‏يحاولون اسعافه والبحث عن طبيب يعالج حالته.‏
    هذا الذي حدث، أما القصص الملفقة والتي قالت عن تضارب بالصحون ‏والملاعق والسكاكين، فهذا لم يحدث ابدا. والأمر نشر في بعض الصحف ‏المصرية الصفراء (ذات التوجهات المشبوهة) التي زادت في الموضوع والفت ‏القصص والروايات الغريبة.‏
    ثم دخل الزعماء على الجلسة على مضض والجميع على اعصابهم، وقد ترجى ‏حسني الجميع ضبط الاعصاب وأعطى الكلمة للسيد طه ياسين رمضان، الذي ‏بدأ الحديث شارحا وجهة النظر العراقية مركزا على ضلوع الحكم في الكويت ‏بالتآمر مع الولايات المتحدة الامريكية وان العراق لو لم يتحرك لكانت المؤامرة ‏قد وصلت لأخطر مراحلها، ثم تحدث عن اهدار الثروة بينما الامة تعاني الفقر ‏والحرمان واشار الى التحركات العسكرية في المنطقة والحشودات الامريكية في ‏السعودية، ثم تلا بعض ما اكتشفه رجال الجيش العراقي من وثائق تدين اسرة ‏الصباح وتفضحهم.‏
    ثم جاء دور سعد للرد على هذا الكلام (كان جابر قد غادر المؤتمر تاركا لسعد ‏مهمة رئاسة الوفد، ولانه كان مدركا ان المؤتمر مضيعة للوقت وان الامر بات ‏بيد أمريكا)، فأبدى دهشته من قيام العراق بغزو الكويت قائلا انه في محادثات ‏سابقة مع عزة ابراهيم ابدى استعداد الكويت لشطب ديون العراق بشرط عدم ‏الاعلان عن ذلك وان عزة ابراهيم ابدى سعادته لذلك وانهما اتفقا على ابلاغ ‏الرئيس صدام سوية بهذا الامر (هنا تدخل احد اعضاء الوفد العراقي وهمس في ‏اذن طه ياسين رمضان ان هذا الامر غير صحيح ابدا)
    ثم تحدث عن طلب ‏العراق تأجير جزر وربة وبوبيان وقال ان الكويت اعتذرت عن تأجيرها لأن ‏ذلك يعني انها ستعتبر في حالة حرب مع ايران لو أجرت الجزر للعراق لاسيما ‏وان ايران ايضا طلبت استئجار الجزر.‏
    طبعا لم يفت طه ياسين رمضان ان فند بسرعة وبدون انتظار اذن الكلام من ‏رئيس المؤتمر ما قاله سعد، بأن موضوع الديون غير صحيح، وانه غريب ان ‏تطلب ايران اسئتجار الجزر من الكويت ولماذا لم تخبر الكويت العراق بهذا ‏الأمر ايام الحرب.‏
    جاء دور الشاذلي بن جديد الذي اشار الى التحركات العسكرية مطالبا بإيجاد ‏وسيلة عربية لحل الازمة والا فإن العرب يكونون قد ضيعوا كفاح اجيال من ‏شعوبهم التي قضت عمرها في محاربة الاستعمار.

    ثم جاء دور الاسد، فقال ان المؤتمرين يجب ان يفرقوا بين السبب والنتيجة، فإذا ‏كان هناك احتمال لتدخل عسكري اجنبي في المنطقة فإن غزو الكويت هو الذي ‏تسبب بالازمة. ‏
    ثم جاء دور الرئيس عمر البشير فأبدى مجموعة ملاحظات طويلة مختصرها أن ‏وجود القوات الامريكية والاجنبية في المنطقة العربية هو أكبر خطر على الامة ‏العربية حاليا، فانبرى له على الفور فهد مقاطعا اياه وقائلا:
    ان الاخ السوداني ‏لايعرف ماذا يتكلم وكلامه مليء بالخلط وأنا أتعهد أمامكم بأن القوات الموجودة ‏في السعودية لن تقوم بأي عمل هجومي على العراق ولن تتحرك خارج حدود ‏المملكة وهي موجودة فقط للدفاع عنها!!!!!!‏
    ليتأمل القاريء العربي هذا الكلام الذي ورد على لسان خادم الحرمين الشريفين ‏وليحلله بينه وبين نفسه:
    القوات الاجنبية لن تقوم بأي عمل هجومي على ‏العراق.. وهي موجودة للدفاع عن المملكة فقط. ‏
    ياله من تعهد ملكي (كما قال الاستاذ حمدان حمدان في كتابه الخليج بيننا قطرة ‏نفط بقطرة دم) حين يصل الامر الى درجة تقطيع العراق خلال الهجوم البري ‏مع مائتي الف شهيد عراقي وحمولات طائرات وصلت الى 120 الف طن من ‏القنابل فوق العراق.‏
    جلالة الملك فهد لم يقل لنا دفاع ضد هجوم ممن ؟ من اسرائيل مثلا ؟ أم من ‏الجن والشياطين.. والايام القادمة كلها وحتى يومنا هذا اثبتت عكس هذا الكلام ‏تماما.
    وربما علينا أن نعود قليلا بالذاكرة الى الوراء والى ما حصل في مؤتمر ‏القاهرة الاخير عام 2003 من ملاسنة ومواجهة بين الامير عبد الله ومعمر ‏القذافي حول تواجد هذه القوات.‏
    ثم أثناء المؤتمر حصلت واقعة من أسخف ما يكون، وهي توجه سعود الفيصل ‏الى عمه فهد يطلعه على ورقة تقول بأن هناك نداء عراقي بالثورة على ال ‏سعود وبنفس الوقت نداء للشعب المصري بالثورة على حسني مبارك ومنع ‏مرور حاملات الطائرات الامريكية عبر السويس، فطلب منه فهد بعد قرائتها ‏التوجه بها لحسني لاطلاعه عليها ففعل سعود ذلك.
    وهو أمر غير صحيح على ‏الاطلاق وكذبة سخيفة من كذبات المؤتمرين والمتآمرين على العراق

    ثم علت الاصوات والمناقشات الصاخبة من جديد، وكان هناك اقتراح من ياسر ‏عرفات (الذي تجاهله معظم الزعماء العرب ولم يردو حتى على سلامه، ‏وأعرضوا عنه كي يتفادوا النقاش معه)، قال عرفات: انني اقترح أن تشكل لجنة ‏وساطة من خمس دول هي: الاردن ومصر واليمن والجزائر وفلسطين وتتوجه ‏الان الى بغداد..‏
    فرد مبارك بحدة: التزم بجدول الاعمال فالوقت يداهمنا.. وانا لن اقوم بمثل هذه ‏الوساطة.. لقد خان صدام ثقتي به.. المهم حان وقت التصويت يا أبو........ ‏‏(متجاهلا عمدا لفظ اسمه المعروف أبوعمار...) (ذكر هذه الواقعة الاستاذين ‏محمد حسنين هيكل - أوهام القوة والنصر- وحمدان حمدان – الخليج بيننا -).‏
    فأجاب عرفات بذهول: بس أنا ما قلتش حاجة ؟؟؟ فتدخل أحد أعضاء الوفد ‏الفلسطيني قائلا : لنبقى أخوة..‏
    فأجاب حسني بتوتر وعصبية: هكذا نحن لننتقل الى التصويت.. ‏
    فاعترض عرفات مرة ثانية قائلا لحسني : عليك أن تذهب أنت الى بغداد..‏
    فرد مبارك بعصبية ظاهرة : مش مستعد روح بغداد عاجبك ولا إيه ؟؟
    ثم التفت الى الشاذلي بن جديد قائلا: هل الاخ الرئيس مستعد للذهاب الى بغداد ؟ ‏فرد الشاذلي: افضل ان يذهب غيري وحين سأل حسني حسين عما اذا كان ‏مستعدا؟ اجاب حسين ذهبت كثيرا الى بغداد وربما افضل لو يذهب غيري.. ثم ‏رفع الملك فهد يده محتجا على الفكرة من اساسها.‏
    ثم قال حسني: ان الموضوع خطير والظرف هو طرح القرار للتصويت، ‏فارتفعت أصوات في القاعة تطالب تأجيل طرح التصويت لاتاحة الوقت لمزيد ‏من المناقشات، فقال في صفاقة: انه لايسمع مناقشات بل مهاترات، وأنه كرئيس ‏للجلسة سيطرح الموضوع للتصويت، وطلب من الموافقين على مشروع القرار ‏رفع ايديهم.‏
    عد حسني الايدي المرفوعة ثم قال: حداشر ( أحدى عشر) أغلبية موافقة، ثم ‏أضاف:
    ترفع الجلسة وقام من مقعده يريد الخروج، فعلت الاصوات تطالبه ‏بالعودة وانفعل ياسر عرفات قائلا:
    ان التصويت غير دستوري.. فرد عليه مفيد ‏شهاب القانوني المصري الذي يضع إذن الجرة حيث يشاء مالكها: لا انه ‏دستوري وهذا اختصاصي وانا اعرف ما اقول، فرد عليه عرفات منفعلا ‏وصارخا: انكم عملاء..... جميعكم عملاء...... فرد شهاب: ابحث عن العملاء عندكم ‏وليس عندنا.‏
    كان القذافي منفعلا جدا، وحين اقترب حسني منه قال له محتجا وبلهجة حانقة: ‏لماذا لم تعطني الكلام، كل مرة كنت اطلب الكلام تتجاهلني، لماذا كنت مستعجلا ‏على القرار.. ان قراراك هذا غير شرعي.. فرد مبارك بوجه ممتقع: انتبه ‏لملاحظاتك.. لاتتهمني..‏
    كان الموافقون على القرار في النهاية هم : خمس دول في الخليج، سوريا، لبنان، ‏مصر، المغرب، الصومال ، جيبوتي (والدولتين الاخيرتين بالواقع تحدث عنهما ‏احد المحللين السياسيين العرب في وقتها واسماهما (الدول التي تعيش على ‏مساعدات عرب النفط والخاضعة لهم).‏
    والمعارضون والممتنعون والمتحفظون على السواء هم : العراق – اليمن – ‏الاردن – السودان – فلسطين – موريتانيا - الجزائر- ((تونس وعمان غائبتين.)).

    اذا،، انتهت القمة، وانتهى اجتماع المؤتمر الذي شرع العدوان الامريكي على ‏العراق، وراح كل في حال سبيله.‏
    فعرب أمريكا، فرحوا لهذا المؤتمر الذي ختم على بياض بأن الحل والعقد ‏وأوراق اللعبة صارت كلها بيد أمريكا، والعرب المتعاطفون مع العراق ‏‏(والرافضون بنفس الوقت غزو الكويت)، كانوا حزينين لأجل ما هو مخبأ ولأجل ‏القادم الاسوأ.‏
    وبدأ توافد القوات العربية اكثر واكثر على السعودية وبعض دول الخليج، ففي ‏البداية ارسل حسني ما يقرب من ثلاثة ألاف جندي ما لبث العدد أن ارتفع الى ‏ستة وثلاثين الف جندي، في حين بلغ عديد القوات السورية خمسة عشر الف ‏جندي، وبلغ عدد قوات المغرب الف وثلاثمائة جندي ليصل عدد القوات العربية ‏في النهاية الى 60 الف جندي عربي لمواجهة جيش عربي، عدا عن عشرة ‏الاف جندي من دول التعاون الخليجي، واللافت للنظر ان القوات الامريكية بدأت ‏بطلاء طائراتها الضخمة بألوان تناسب الصحراء وسمائها كما تم تبديل الرموز ‏والاعلام والارقام لغايات تضليلية.
    دمت لنا فخراً يا عراق


  4. #14
    الأزمة من ناحية أخرى
    الناحية العربية في دول الخليج

    كان العراق قد ايقن بأن تصعيد الاوضاع باتجاه المواجهة هو الغالب في مسار ‏الازمة، فبعد انسحاب الوفد العراقي من مهزلة مؤتمر قمة القاهرة (الذي اعطى ‏الضوء الاخضر للعدوان) تبدلت لهجة بغداد ولم يعد أمامها من خيار سوى ‏التصعيد مقابل التصعيد، ولم يكن العراق على أية حال يملك الكثير من الاوراق ‏في هذا المجال فهناك جيش العراق الذي سيقف وحيدا في المواجهة التي ‏فرضت عليه، وبدأ راديو بغداد يذيع النداء تلو النداء لتحريك مواقف الشعب ‏العربي.‏
    هنا ارسل الرئيس صدام نداء...... وليس من قبل كما زعموا في مهزلة مؤتمر ‏القاهرة!!!!!!! فأذاع راديو بغداد رسالة من الرئيس صدام تنادي المسلمين بانقاذ ‏مكة المكرمة وقبر الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وكانت إحدى فقرات ‏النداء لافتة للنظر في مضمونها، إذ جاء فيها: ‏
    أيها العرب... أيها المسلمون في كل مكان، لقد زاد فهد وحسني ومن والاهما من ‏أصحاب السوابق الشريرة والدنيئة ظلما على ظلمهم السابق عندما لعبا دور ابي ‏رغال الذي كان دليل ابرهة الحبشي على الطريق الى مكة المكرمة قبل الاسلام ‏وهزمه الله بطير ابابيل وبحجارة من سجيل، بل ان دور ابي رغال كان اقل ‏مرتبة في السوء من دورهم، عندما استقدموا جيوش الغزاة التي احتلت ودنست ‏اراضي مقدسات المسلمين والعرب، فحق علينا جميعا الجهاد المقدس لنخلص ‏الحرمين الشريفين من الاسر والاحتلال بعد أن خان من سمى نفسه خادمها، وان ‏اخوانكم في العراق لن يهدأ لهم بال حتى يرحل مختارا مطرودا آخر جندي من ‏جنود الاحتلال عن ارض العروبة في نجد والحجاز...
    واننا نناشد كل العرب ان ‏يعمل كل حسب مقدرته وما يستطيع بضوء أحكام الله ومقدسات الجهاد والنضال ‏ضد هذا الوجود الكافر المحتل وأن يفضح من غير تردد وبكل الوسائل مواقف ‏الخونة ومن والاهم على الفساد والظلم... ونهيب شعب الحجاز الصابر المبتلى ‏وشعب نجد والمنطقة الشرقية المظلوم ومكة والمدينة وحائل والرياض وشعب ‏الكنانة في مصر العزيزة وكل أبناء أمتنا... أن يثوروا ضد الخيانة والخونة وان ‏يثوروا ضد الاحتلال الاجنبي الكافر لارض مقدساتهم واننا معهم والاهم ان الله ‏معهم.‏
    الحقيقة ان مثل هذه النداءات لم تحرك الشعب العربي المعني بها كثيرا وان ‏حركت جماهير العرب في كل من عمان والقدس وبعض دول المغرب العربي ‏وحتى في لبنان خرج المتظاهرون تأييدا للعراق عند بدء العدوان وحتى في ‏سوريا في المناطق المحاذية للحدود مع العراق.‏
    لماذا لم تترك تلك النداءات اثرا على الشعوب المعنية بها؟؟

    لأن الاعلام في تلك الدول جيش كل طاقاته وكل ما يملك ضد العراق وضد ‏الرئيس صدام حسين شخصيا، فبدأت المقالات والتحليلات والمقابلات والفذلكات ‏والفلسفات تتوالى من كل حدب وصوب، وصارت سيرة العراق والرئيس صدام ‏على لسان (اللي يسوى واللي ما يسواش – على رأي المثل المصري)
    واخترعت ‏الاكاذيب والاقاويل التي لاحصر لها، بعضها لايدخل في عقول الاطفال، ‏وبعضها لايستحق حتى القراءة، ووصل الاعلام العربي الى الحضيض في تلك ‏الفترة، انحطاط ما بعده انحطاط ووضاعة لايجاريها وضاعة وسفالة وقذارة ‏تجعل الحليم حيرانا.‏
    الان، وبعد أن تأكد للجميع أن القوات الامريكية صارت بالمنطقة وانتشرت ‏بكثاقة، استقوى المستعربين على العرب، وتطاولت السخال على النمور، ‏وتجرأت الغربان على الطيران بوجه النسور، فانقلبت لهجة الاعلام العربي ليس ‏مائة وثمانين درجة، بل ثلاثمائة وستون درجة، فتذكرت وسائل الاعلام ان ‏طارق عزيز مسيحي، والان فقط تذكرت ان اسم والده حنا، والان تذكرت انه ‏غير مسلم، والان تذكرت ان صدام حسين ينتمي الى تكريت، فصار اسمه صدام ‏التكريتي، والان صارت تعزف على وتر كردي وعربي وسني وشيعي، ‏وياسبحان الذي يغير ولايتغير، فقبل مؤامرة مؤتمر القاهرة، كان كل شيء شبه ‏طبيعي، وبعد المؤامرة اياها انقلب الحال، فصار يطلق على طارق عزيز اسم ‏طارق حنا، وصار اسم الرئيس صدام حسين، هو صدام التكريتي، وهلم جرا...‏
    هناك مثل لدى اخواننا المصريين يقول : اللي معاه قرش ومحيره يجيب حمام ‏ويطيره، وعلى نفس هذا المبدأ، صار أي صحفي أو اعلامي أو اي برنامج ‏تلفزيوني ليس لديه أي موضوع يجذب الناس، وليس لديه ما يستقطب به ‏الجماهير، فإنه لم يجد أمامه إلا العراق والرئيس صدام حسين مادة دسمة وصيد ‏ثمين للكتابة أو الحديث عنه ما يقرأ وما لايقرأ وما يرى وما لا يرى.‏

    اذكر أنا العبد الراجي عفو الله، ان القطعة التي كنت أؤدي فيها خدمة العلم ‏كطبيب ارسلتني الى قطعات أخرى موقعها في مناطق مجاورة للحدود السعودية ‏‏(وليس على الحدود السعودية) حيث كان بالامكان التقاط التلفزيون السعودي، ‏فتحت في إحدى الامسيات لأتفرج على ما يقدم من برامج، واذا بي أمام مهزلة ‏والله لم ار الى الان في حياتي مهزلة مثلها....
    مذيع يجري مقابلات في الاسواق ‏مع مواطنين سعوديين يسألهم رأيهم فيما حصل، ويسألهم هل ما فعلته (حكومة ‏خادم الحرمين الشريفين في استعانتها بالاصدقاء لصد هجوم صدام حسين صحيح ‏أم لا ؟؟ وهل تؤيد الحكومة( أيدها الله (في عملها ؟؟).‏
    تأملوا السؤال ؟؟ صد هجوم من صدام حسين ؟ كانت اجوبة المواطنين تثير ‏الغثيان.. فهذا يقول مخاطبا الرئيس صدام : يا كلـ.... انت احتليت الكويت.. ‏شنو تريد من السعودية؟؟؟ والثاني يصف الرئيس صدام بابن الحـ .. والثالث ‏بالوغـــ والرابع بـ ... أوصاف يعجب المرء من صدورها من أناس ‏يجاورون اقدس مكان على الكرة الارضية، مكة المكرمة، اكثر من هذا.. ان ‏البرنامج نفسه كان ينتقل من مذيع إلى آخر وكل واحد يغطي منطقة من مناطق ‏السعودية، فهذا في مكة والثاني في الرياض والثالث في جدة والاخر في المدينة ‏وهكذا.....
    ناهيك عن أن الدولة السعودية وبقية دويلات الخليج جيشت ‏المواطنين لديها وجعلتهم يتطوعون للدفاع عن بلادهم، فصرت ترى التدريب ‏والبنادق وابناء المدارس والعلماء والموظفين وكل فرد صار يريد التطوع عن ‏بلده ضد صدام حسين!!!!! حتى المقيمين في تلك الدول ابدوا استعدادهم للتطوع ‏وللدفاع... ففي سبيل الدولار والدرهم والدينار بات كل شيء ممكن......‏
    وبدأت الفتاوى تظهر من هنا وهناك بوجوب الاستعانة بالكافر لصد صائل على ‏ديار الاسلام، واخترع الفقهاء والعلماء مختلف المسميات في سبيل استقدام ‏القوات الامريكية والبريطانية وغيرها فيما عرف وقتها بقوات التحالف.‏
    وتقريبا كان ما حدث في السعودية من مثل تجييش الشعب والاعلام بنفس الوقت ‏ضد العراق والرئيس صدام حسين، قد حصل في كل دول الخليج، واقع كاذب ‏عاشه اهل الخليج بعد دخول القوات العراقية الى الكويت، أثرت عليهم الماكينة ‏الاعلامية الامريكية وأثر عليهم حكامهم الذين يعتبرونهم وكأنهم شيوخ قادمين ‏من السماء لايخطئون ولايتحدثون الا الحكم والنصائح السديدة الثاقبة !!!! فصار ‏اي خطأ ينسب الى العراق، واي مشكلة تنسب الى العراق وكأن العراق صار ‏سبب كل كارثة ومصيبة.‏

    في سوريا، لم يستطع المواطنون تقبل فكرة العدوان الامريكي الغربي على ‏العراق وخرجت بعض المظاهرات في المدن السورية المجاورة للحدود العراقية ‏انكرتها الحكومة في البداية ثم ما لبثت ان اعترفت بها، على ان وسائل الاعلام ‏السورية بعد بدء العدوان على العراق انقلبت وصار حالها حال وسائل الاعلام ‏العربية الاخرى الموالية للبترودولار.
    ولعل مرد ذلك ان السوريين كانوا يعانون ‏من عزلة دولية فرضتها عليهم مشكلة طائرة العال الصهيونية التي كانت ستنفجر ‏في لندن في العام 1986وما صاحب تلك المشكلة من قطع للعلاقات مع بريطانيا ‏وعقوبات دبلوماسية ضد سوريا، فجاءت هذه الازمة واعادت سوريا الى المجتمع ‏الدولي.‏ حيث ان اسرائيل في ذلك الوقت اتهمت سوريا بمحاولة تفجير الطائرة وسارت بريطانيا في ركب الصهاينة وايدوهم وقطعوا العلاقات مع دمشق بحجة دعم سوريا للارهاب.
    في لبنان، كان لبنان يعاني من مشكلة وجود حكومة برأسين كل منها يدعي ‏الشرعية، فحكومة العماد ميشيل عون العسكرية والذي كان متحصنا في قصر ‏بعبدا وقف اعلاميا مع العراق بحكم العلاقة التي كانت قائمة بين العماد عون ‏وصدام حسين الذي أمده بالمال والسلاح، إلى أن جاء يوم 13/10/1990 وهو ‏اليوم الذي اقتحم فيه الجيش السوري بالتعاون مع بعض وحدات الجيش اللبناني ‏مقر العماد عون منهيا ما يسمى التمرد العسكري بوقتها ومعيدا السلطة الى ‏الرئيس المنتخب الياس الهراوي.‏
    بعض الصحف اللبنانية كانت مؤيدة بالكامل لوجهة النظر العراقية، والبعض ‏الاخر الذي كان يتلقى الدعم من دول النفط كان مع الطرف الاخر، على انه ‏خرجت بعض المظاهرات في المخيمات الفلسطينية تؤيد العراق وترفع صور ‏الرئيس صدام حسين.‏
    في الاردن، كان الاردن بالكامل مؤيد للعراق وضد العدوان الامريكي عليه، ‏ولكن بنفس الوقت ضد غزو الكويت، اذ انه نتج عن هذا الغزو ترحيل ما يقرب ‏من ثلاثمائة الف مواطن اردني من الخليج نكاية بموقف الملك حسين الذي ‏اعتبره بعض الشيوخ والحكام انه مع صدام، وبالواقع هو ليس مع صدام، فهو ‏ضد الغزو وبنفس الوقت ضد الاستعانة بأمريكا لحل هذه الازمة.
    تم ترحيل ‏مواطني الاردن من معظم دول الخليج وانهاء عقود عملهم، فرحلوا بشكل ‏جماعي فيما سماها الملك حسين نفسه وقتها الهجرة الثالثة، وكان يشير بهذا الى ‏الهجرة الاولى لاهل فلسطين عند قيام الكيان الصهيوني، ثم الهجرة الثانية عند ‏احتلال الضفة الغربية والقدس، والان الهجرة الثالثة على يد ابناء العمومة وذوي ‏القربى.‏

    في مصر، كان موقف الشعب المصري متموجا، فبعض المنافقين والموالين ‏للحكومة العميلة والدولار، وقفوا بجانب حكومتهم، وصار العويل والضجيج ‏وتأليف المسلسلات والشعر (المنافق الهزيل الذي وضع النقطة على غير مكانها) ‏والكتابات الصحفية التي جعلت من العراقيين وكأنهم شياطين حمر هجموا في ‏ليلة ظلماء على بلد وديع مسكين اهله من الملائكة والاولياء والصالحين، حتى ‏انهم ألفوا مسرحية اطلقوا عليها اسم (الليالي المحمدية) اختلطت فيها النساء ‏السافرات بأشباه الرجال، وصاروا يقولون فيها الأناشيد المخلوطة بالاغاني ‏والرقص والتمايل،
    كلمات وطلاسم تحتاج الى كل قواميس اللغة العربية لفك ‏معانيها وترجمة مبانيها، المهم انه فيها بكاء وعويل ونحيب والحسين ويزيد ‏والممثلة سعاد عبد الله ومعها بعض الماجنين من الخليط العجيب الغريب، حتى ‏ليقول المرء هذا المثل المشهور ( شنو اللي لم الشامي على المغربي).... ‏‏((((المهم ضحكوا على الكويتيين وشفطوا منهم بعض الدولارات)))).‏
    في اليمن، كان اليمن ايضا من الدول التي تضرر مواطنوها في دول الخليج وان ‏كان في السعودية اكثر من غيرها، لكن بعض الصحف والكتاب اليمنيين وقفوا ‏وقفة صريحة مع العراق، وراحوا يعيدون الى الاذهان احداث عام 1961، ‏وقصة سلخ ارض الكويت واقامة تلك الدولة الهزيلة العميلة.‏

    في المغرب العربي ‏

    كان المغرب العربي هو الظاهرة الملفتة بين العرب المؤيدين للعرق، والحاصل ‏انه كان مستودع حماسة للعراق تستحق الدراسة، ولعل السبب راجع الى ان ‏المغرب العربي قريب عهد بالعمل القومي، وفي ايام عز المد القومي في ‏السويس عام 1956 كان المغرب العربي بعيدا الى حدا ما، وكان مشغولا ‏بصراعه مع الاستعمار، وكانت دوافع مقاومته دينية اسلامية بالدرجة الاولى.
    ‏وعندما وقعت الازمة لم تكن لدى المغرب فرصة كافية لاختبار المقولات ‏والتصرفات واختلط دخول القوات العراقية للكويت بالغزو الامريكي العسكري ‏للمنطقة على نطاق واسع دون فرصة للامة تتذاكر أمورها، ثم كان ان ظهرت ‏على التصرفات الامريكية والغربية اشارات صليبية كان المغرب العربي على ‏استعداد لفهمها من اول لحظة.
    وهكذا فإن أزمة الخليج طرحت نفسها في المغرب ‏العربي كنوع من التحدي للارادة الغربية الغالبة والمتحكمة وكنوع من التصدي ‏لروح صليبية اوربية أمريكية لاتخفي تعمدها إذلال العرب المسلمين ونهب ‏مواردهم وسفك دماؤهم.‏
    فقد شهدت الجزائر وتونس والرباط وليبيا مظاهرات ضخمة مؤيدة للعراق، ‏وكانت المظاهرات في ليبيا بقيادة العقيد القذافي، وشاع كثيرا بين ابناء الجزائر ‏المولودين في تلك الازمة اسم صدام حسين وتحمست احدى فرق الغناء ‏الجزائري فألفت اغنية عن الرئيس صدام حسين.‏
    اتخذ المغرب العربي موقفه ولم يتراجع عنه ابدا.‏

    الأزمة من ناحية أخرى
    الناحية الدولية

    كان العراق في أوج أزمته اول من فتح الباب لنقد مرير لسياسات الامم المتحدة ‏ذات الطابع المزدوج في الموضوع الواحد، فقد أكد على اختلال المعايير ‏الصادرة عن هذه المنظمة الدولية لحساب استراتيجية الولايات المتحدة، فمنذ عام ‏‏1947 صدر عن مجلس الامن 160 قرارا بخصوص القضية الفلسطينية و400 ‏قرار آخر صادر عن الجمعية العامة، واستخدمت الولايات المتحدة الفيتور ‏لثمانين مرة منذ تلك الفترة واكثرية هذه المرات كانت ضد القضية الفلسطينية.‏
    وقف زبجينو بريجنسكي مستشار الامن القومي للرئيس كارتر يقول في نبرة ‏احتجاج: ان ازمة الخليج اصحبت عاطفية اكثر من اللازم وشخصية بأكثر من ‏اللازم وعسكرية بأكثر من اللازم.‏
    عاطفية عندما بالغت وسائل الاعلام بما اسمته يومها فظائع الجيش العراقي في ‏الكويت، وهو على كل حال من اسخف الكذبات التي ظهرت يومها، ‏
    وشخصية بأكثر من اللازم عندما بدأ بوش يستخدم عبارات بحق الرئيس صدام ‏لم يعهدها الاعلام الامريكي في غير ذلك الوقت، فقد بدأ بوش يستخدم عبارات ‏من مثل الكرامة وماء الوجه والشرف وغيرها، وهي على اية حال عبارات ‏لايدرك معناها بوش الاب لانه بعيد عن معاني الكرامة والشرف والنخوة بعد ‏السماء عن الارض، ومن كثرة استخدامه لهذه العبارات تدخل احد مستشاريه في ‏لحظة من اللحظات قائلا له: السيد الرئيس انني ارى ان الامر بات شخصي بينك ‏وبين صدام اكثر منه بين العراق والولايات المتحدة.‏
    وعسكرية عندما حشدت الولايات المتحدة اكثر من ثلاثين دولة لمواجهة دولة ‏واحدة في أزمة كان العرب لولا بعض العملاء (وأولهم حسني بالطبع) قادرين ‏على حلها فيما بينهم بدون تدخل خارجي.‏
    عندما وصل طارق عزيز الى موسكو في يوم 5/9/1990 واجتمع مع ‏جورباتشوف فإن الاخير لم يحاول ان يكون دبلوسيا ابدا او حتى ان يصوغ ‏تقديراته للموقف بطريقة مغلفة، لقد بدأ يتحدث عما يسمى التفكير الجديد، ثم ما ‏لبث ان اضاف:
    ان غزو العراق للكويت يتناقض مع التفكير الجديد، ثم قال: اننا ‏نقر وانتم ايضا يجب ان تقرون بأن الامريكان لديهم مصالح حيوية في الشرق ‏الاوسط واننا من جانبنا نعترف بهذه المصالح ونحن في الاتحاد السوفييتي ‏لانستطيع ان نفعل شيئا في هذا وانتم في العراق لابد ان تجروا حساباتكم لموقفكم ‏على هذا الاساس.‏
    فأبدى طارق عزيز ملاحظة قال فيها: لقد كنا نتصور انكم ستقفون معنا معنويا ‏على الاقل للحيلولة دون وقوع عدوان علينا، فرد جورباتشوف: ان ما قمتم به ‏عمل من اعمال العدوان لانستطيع ان نساعدكم فيه ماديا او معنويا.‏

    والحقيقة ان اول من لاحظ هذا التوجه الجديد لجورباتشوف كان هو ‏الرئيس حافظ الاسد – يرحمه الله – الذي حين ذهب للاجتماع مع ‏جورباتشوف في العام 1987، كان في ذلك الاجتماع يشرح نظريته ‏المتعلقة بتحقيق التوازن الاستراتيجي بين العرب والصهاينة، لكنه لم يلق ‏اذانا صاغية ابدا من قبل جورباتشوف، بل انه قال بكل وقاحة للاسد:
    ان ‏الاتحاد السوفييتي يعتبر نفسه خارج لعبة التوازن الاستراتيجي هذه، وراح ‏يشرح للاسد نظريته هو عن توازنات المصالح. فعاد الاسد من موسكو ‏وفي جعبته الكثير من الخواطر ان يمد جسور التعاون مع واشنطن، ولم ‏يخف الاسد لصديقه الحميم عبد الحليم خدام مخاوفه من جورباتشوف وان ‏بقاءه سيكون شرا مستطيرا على العرب اولا وعلى الاتحاد السوفييتي ‏نفسه، وكانت نظرة الاسد صحيحة، وهذا ما دعاه للانخراط في التحالف ‏الدولي الى جانب الولايات المتحدة.‏
    وايضا لاحظ عرفات من قبل على جورباتشوف هذا وكذلك الرئيس صدام ‏الذي قال يوما ما في إحدى خطبه في شهر مارس عام 1990 في عمان: ‏ان السنوات الخمس القادمة سوف تشهد سيطرة قوة أعظم واحدة تنفرد ‏بمصائر العالم. وكان هذا الكلام صحيحا مائة بالمائة.‏
    ما الذي دعا جورباتشوف لهذا الموقف وكذلك الصين، الذي دعا كليهما ‏للوقوف الى جانب الولايات المتحدة ضمنيا هو ما قدمته دول النفط لكلا ‏الدولتين، فالسعودية قدمت اربعة مليارات دولار للاتحاد السوفييتي... قيل يومها انه على شكل قروض ميسرة... وما اسهل الكلام حين يكون عن رشاوي.. يتم تغليفها بمختلف الاوصاف والنعوت... وراحت ‏الصحف تكتب المقال تلو المقال عن العلاقات (الحميمة) التي تربط بين ‏البلدين الصديقين، وخرجت صحيفة الشرق الاوسط بمقال في صحفة كاملة ‏يحمل صورة فهد وجورباتشوف وان العلاقات بين الدولتين ازلية ‏والصداقة قديمة، علما بأن الصحف السعودية كانت الى فترة ما قبل الازمة ‏تصف الاتحاد السوفييتي بالدولة الكافرة لانه شيوعيي ملحد !!!!!!‏
    اما الصين فقد تم تقديم ستة مليارات دولار لها، وذهب سعود الفيصل بنفسه ‏لحضور افتتاح اولمبياد اسيا في سبتمبر من عام 1990، وذلك بعد أن قررت ‏اللجنة الاولمبية الاسيوية ابعاد العراق من المشاركة في الالعاب في قرار لم ‏يسبق له مثيل وغير قانوني وغير صحيح، لكن الدولار بوسعه ان يفعل كل ‏شيء... فالمهم ان يخرج أحمد الفهد مبتسما ورافعا اشارة النصر على انه تم ‏ابعاد العراق من المشاركة في الالعاب !!!!!!!‏

    لن نتحدث عن مواقف دول غرب اوربا التي كانت معظمها مؤيدة للتحالف ‏وارسلت قوات الى السعودية. فقد تأكد للجميع ان الامر صار بيد امريكا وحدها ‏ولاتريد أي تدخل من اي طرف.
    لقد وقف الغرب كله موقفا واحدا تحت قيادة ‏الولايات المتحدة وتحول مجلس الامن بين عشية وضحاها فأصبح مجرد ختم ‏يقوم بالتصديق على مشروعات قرارات تقدمها الولايات المتحدة تؤكد بها ‏هيمنتها على الامم المتحدة وعلى ما يسمى الشرعية الدولية.‏

    * * * * * * * * * * * * * * *

    اذا بعد ان انتهينا من مؤامرة مؤتمر قمة القاهرة وما تلاه من تدفق للقوات ‏الامريكية والغربية على العراق، لعله من المفيد الان أن نذكر بعض التحركات ‏الدبلوماسية التي حدثت،
    على ان حديثنا كله سيكون عن الفترة الواقعة ما بين:
    بعد ‏مؤامرة مؤتمر القاهرة
    والى يوم العدوان على العراق وهو يوم 17/1/1991. ‏
    علما بأنه بقي ثلاثة أجزاء من الملف، وهي:‏
    العدوان الثلاثيني ثم انسحاب الجيش العراقي
    ما يسمى قضية (الأسرى) مربوطا مع تصرفات رجال الجيش العراقي في ارض ‏الكويت


    الخاتمة

    في يوم 12/8/1990 سافر حسين الى بغداد واجتمع مع الرئيس صدام في محاولة ‏لايجاد حل عربي للازمة، فالملك كان مقتنعا بأنه لا زال هناك أمل في حل عربي، ‏وكان ينوي السفر بعد يومين الى واشنطن.
    لكن في تعارض مع اي شكل من ‏اشكال المنطق راحت الولايات المتحدة وبعض دول الخليج تتخذ موقفا سلبيا من ‏دعاة الحل العربي، وفي الوقت الذي كان فيه الاردن غارقا في مصاعب اقتصادية ‏جمة، قلنا ان دول الخليج ابعدت الكثير من ابناءه العاملين في دول الخليج وكذلك ‏من ابناء اهل فلسطين، وصارت السعودية وامريكا تعاملان الاردن بغطرسة ‏ظاهرة، ووصل الامر بالسعودية ان بدأت بخنق الاردن اقتصاديا، فأوقفت مرور ‏الشاحنات الاردنية عبر الاراضي السعودية واوقفت استيراد جميع البضائع ‏الاردنية بكل أشكالها.‏
    قبل سفر حسين الى امريكا كان في جعبته بضعة امور لبحثها مع الادارة ‏الامريكية، منها تفاصيل اللقاء الذي تم بين الرئيس صدام حسين وجوزيف ويلسون ‏القائم بالاعمال الامريكي في بغداد، فحين اجتمع الرئيس صدام معه، افهمه عدة ‏رسائل طلب منه توصيلها للادارة الامريكية، وكانت هذه الرسائل بشكل مختصر ‏تحمل في طياتها ما يلي:‏

    الاولى:
    ان الرئيس صدام يتفهم ردة الفعل الامريكي تجاه ما قام به العراق، لكن ‏بنفس الوقت يأمل الا تندفع الادارة الامريكية تحت استشارات مخطئة الى عمل ‏تجد نفسها معه في موضع الاحراج.‏
    الثانية:
    ان التدخل العسكري العراقي في الكويت يقتصر على الكويت فقط ‏ولاينسحب الى بلد غيرها. فكل العراقيين يعلمون ان هذه ارض عراقية وان شيوخ ‏الكويت كانوا يتلقون رواتبهم من والي البصرة نظير ما يقومون به من اعمال ‏حراسة في الكويت، وان والي البصرة فيما بعد عين أحد افراد اسرة الصباح ‏كقائممقام للكويت تابع للبصرة.‏
    الثالثة:
    أن الرئيس العراقي يعلم حجم المصالح الامريكية في السعودية وانه ليس ‏واردا بالنسبة اليه تهديدها، وان علاقتنا الجيدة بالسعودية كانت عامل استقرار في ‏المنطقة، واذا كنتم تتظاهرون بالقلق لكي تدفعوا بالسعودية للقلق فهذا شيء آخر.‏
    الرابعة:
    ان اشاعات حصلت ان صدام حسين اعطى وعدا لبعض العرب بأنه لن ‏يقوم بأي عمل عسكري ضد الكويت، وهذا لم يحصل ابدا، إذ أنني قلت لجميع ‏المسؤولين العرب الذين التقوني وقالوا ان الكويتيين خائفين من حشودات الجيش ‏العراقي، انني لن اقوم بأي عمل عسكري حتى نرى نتيجة انتهاء اجتماع جدة، ولم ‏نتخذ القرار الا بعد رجوع نائب الرئيس ليخبرنا ان الموقف الكويتي ازداد تعنتا ‏وكما هو.‏
    الخامسة:
    ان العراق حريص على علاقة طيبة مع امريكا وان نفط العراق يباع لها ‏منذ مجيء الرئيس صدام للحكم وان امريكا هي التي اتخذت قرارها بمقاطعة النفط ‏العراقي.‏
    السادسة:
    ان الرئيس صدام يعرف حجم الفارق في القوة بين العراق وامريكا ولكن ‏يعتقد ان امريكا ستخسر الكثير في هذه الحرب، وعلى أية حال فإن العراق ‏والشعب العراقي لن يركع امام امريكا.‏
    السابعة:
    ان العراق يريد صداقة الولايات المتحدة ويتفهم ويقدر حجم مصالحها.‏

    أكد القائم بالاعمال بأنه سينقل كل ما سمعه تلفونيا من السفارة الامريكية في بغداد ‏ثم سيرسله مكتوبا، ثم رأى القائم بالاعمال أن يتأكد من عدم وجود تهديد للسعودية ‏فقال: انني جئت الى هنا بثلاث أفكار في ذهني تعكس قلق حكومتي:‏
    طبيعة الغزو وتعلمون موقف حكومتي منه.‏
    النوايا تجاه السعودية..
    فقاطعه الرئيس صدام قائلا: ما الذي يطمئنكم لازالة القلق ‏بخصوص السعودية، فأجاب القائم بالاعمال: لا اعلم ولكن سوف اسأل رئيسي ‏ولاني اعرف انك رجل واضح وصريح فإني اريد التأكيد منكم انه ليس في نيتكم ‏اي عمل عسكري ضد السعودية. فرد الرئيس صدام قائلا: تستطيع ان تأخذ هذا ‏التأكيد الى السعودية والى كل انسان في الشرق الاوسط. ‏
    فاستكمل القائم بالاعمال النقطة الثالثة وهي التي تتعلق بسلامة المواطنين ‏الامريكان والسماح لهم بالمغادرة، وهذا يشمل الامريكان في الكويت رغم ‏انسحابكم من هناك، فالتقط الرئيس صدام على الفور هذه الجملة، وقال للقائم ‏بالاعمال:
    كيف تقولون انه لم يحصل انسحاب ثم تقولون شيء آخر بعد ذلك ؟؟
    ‏فقال ويلسون: انا شاهدت ثلاث قوافل تنسحب في اتجاه البصرة وقد أبلغت ‏واشنطن بذلك،
    فرد الرئيس صدام: قواتنا اخذت ثلاث ايم لدخول الكويت وبالنسبة ‏للانسحاب لايمكن ان يتم بيوم واحد وان انسحاب القوات يعتمد على الجو الدولي.‏
    انتهى اللقاء نهاية ودية، واالمفروض ان تكون الرسائل طارت بعده، وانقضت ‏الساعات والايام وليس هناك اي رد من واشنطن او بوش والمظاهرات العسكرية ‏ماضية في طريقها لاتتوقف.‏
    راحت بغداد تسأل نفسها كيف يمكن ايجاد قناة مباشرة للاتصال مع البيت ‏الابيض..‏

    وصل الملك حسين الى واشنطن في رحلة طيران مباشرة استمرت ثلاث عشرة ‏ساعة وتوجه على الفور الى احد بيوت الضيافة للاستراحة من عناء الرحلة وبعد ‏ساعات من وصوله مر بوش ليأخذه بنفسه الى مقر اقامته الصيفي ليسمع ما لديه، ‏ادرك حسين ان جو المقابلة من البداية لم يكن مريحا ولم يكن هذا ما عهده من ‏صديقه بوش من قبل.
    قال حسين: ان الحشود الامريكية في المنطقة قد رفعت ‏درجة التوتر الى حد كبير، فقاطعه بوش بحدة:
    لم نكن نحن الطرف الذي رفع حدة ‏التوتر وحشودنا العسكرية هي ردا على احتلال عسكري عراقي للكويت، واضاف ‏بوش: انه يدرك ان الملك حسين يشعر بالقلق على اوضاع الاردن الاقتصادية بعد ‏فرض الحصار الكامل على العراق، ان دولا عربية تستطيع مســاعــدة الاردن ‏‏( وكان يقصد طبعا السعودية ودول النفط الاخرى)
    فأجاب حسين: انه لم يأت الى ‏هنا لبحث هذا الموضوع وانما جاء لبحث موضوعا اكبر منه بكثير وهو موضوع ‏السلام،
    وكان رد بوش جافا اذ قال: ‏
    حسين... اسمعني ان البترول بالنسبة لنا اكثر من ضرورة وهو اسلوب حياة وانا ‏لن اسمح لهذا الرجل ان يسيطر على ثلث انتاج الخليج اليوم وعلى ثلثي احتياطي ‏العالم غدا.
    ثم اكمل: انه اثبت انه عدو الولايات المتحدة ولن اسمح لنفسي ان اترك ‏ديكتاتورا يضع يده على شريان حياتنا، انتم العرب تعيشون على برميل بارود ‏وهذا الرجل يهددكم وهو يستطيع ان يفعل ذلك معكم ولكن ليس معنا.. لنا في ‏المنطقة مصالح حيوية ونحن هناك لحمايتها.. انني ترددت في مقابلتك فأنت كنت ‏في بغداد قبل اربع وعشرين ساعة وكان ترددي هو خشيتي ان تظهر زيارتك ‏وكأن بيني وبين هذا الرجل وساطة وانا لا اريد ذلك ولا الكونجرس ولا الرأي ‏العام الامريكي يسمحان به..‏
    فقال حسين: انه على استعداد للانسحاب... فرد بوش بهمهمة غير مفهومة ثم قال ‏بنبرة حادة:
    اذا اراد الانسحاب لينسحب لن يمسك به احد، لينسحب على الفور دون ‏شروط ولا جداول زمنية ولا حدود مختلف عليها ولا حقول نفط ولا جزر فلن ‏نبحث في كل ذلك الان.. وسوف تعود اسرة الصباح وبعدها سنرى ما يمكن ‏عمله.
    وكان يقصد بكلمة ما يمكن عمله حسب بنود قائمة جديدة ااضافتها الولايات ‏المتحدة لقائمة طلباتها وتحدث عنها بيكر امام الكونجرس وهي:‏
    تحديد حجم الجيش العراقي
    نزع صواريخه أو تدميرها
    فك المنشآت الكيميائية والجرثومية
    فك المنشآت النووية..‏
    ثم هاجم بوش الاردن لعدم التزامه بقرارات الامم المتحدة وقال ان ميناء العقبة ما ‏زال مفتوحا للعراق رغم قرار صادر من الامم المتحدة.. ...
    هنا، واثناء اجتماع ‏بوش مع حسين تلقى بوش مكالمة من زعيم عربي، قال له بعدها بوش :
    هذا أحد ‏زملائك يحثني على سرعة العمل بالقوة العسكرية قبل أن تؤثر الدعاية العراقية ‏على الشارع العربي (هذا الشارع العربي الذي كان هادئا نسبيا هو الشارع ‏المصري اذ كان الشباب المصري ينوي الخروج بمظاهرات تأييد للعراق في ‏الجامعات المصرية) والامر ليس بحاجة للكثير من الذكاء ليعرف المرء ان الزعيم ‏العربي الذي كان يطالب بالعمل العسكري هو رئيس اكبر دولة عربية وهي ‏مصر.... ومن وصفه احد وزارء الخارجية العرب يوما ما بأنه مخلب أمريكا في ‏الوطن العربي.‏
    غادر حسين امريكا محبطا بدون ان يستطيع ان يشرح وجهة نظره ولا وجهة ‏النظر العراقية في واشنطن، فقد ادرك ان الحل السلمي بات صعب المنال في ظل ‏عقلية بوش العدوانية.‏

    وفي يوم 17 اب عاد تشيني مرة ثانية الى المنطقة بزيارة اشد غطرسة وعنجهية ‏من الاولى، اذ كانت القوات الامريكية قد انتشرت اكثر في المنطقة، فزار كل من: ‏السعودية والبحرين وعمان والامارات ومصر للحصول على مزيد من التأييد من ‏زعماء تلك الدول.‏
    ثم وفي يوم 30 اب التقى دي كويلار امين عام الامم المتحد بطارق عزيز في ‏عمان، لان الولايات المتحدة رفضت منح تأشيرة دخول لطارق عزيز، وكان ‏الموضوع الرئيسي الذي يريد التحدث عنه الامين العام ليس موضوع الازمة ‏وكيفية حلها، وانما موضوع الرهائن الغربيين في العراق، لكن طارق عزيز اثار ‏موضوع الازمة كلها ومن جميع جوانبها بدون اي فائدة، فقد ادرك الامين العام ‏ايضا ان الحل العسكري هو الغالب وكان قد صرح من قبل بأن قيام الامريكيين ‏منفردين بفرض حصار اقتصادي على العراق بالقوة يعد خرقا لميثاق الامم ‏المتحدة. لكن الولايات المتحدة لم تكن على استعداد لسماع اي كلام من هذا النوع.‏
    وفي اول سبتمبر توجه حسين الى لندن للقاء مع تاتشر (البعيدة بعد السماء عن ‏الارض على اية حال من جنس الاناث) فبادرته بهجوم حاد وبلسان لاذع اطول ‏منها قائلة:
    لماذا تؤيد صدام وانت تعرف انه شرير؟
    فرد حسين: انني لا أؤيد احد ‏ولكني احاول البحث عن فرصة لانقاذ السلام في المنطقة، فردت بحدة وبصوت ‏اعلى من صوت الرجال قائلة:
    ومن المسؤول عن هذا؟ فسيطر حسين على ‏اعصابه بمعجزة قائلا: ان عصر دبلوماسية المدافع ينتمي الى القرن التاسع عشر،
    ‏فنظرت اليه نظرات ببرق مخيف قائلة: اسمعني جيدا.... انك تقف وراء الطرف ‏الخاسر وانا اريدك ان تعرف الحقيقة قبل فوات الاوان... ‏
    ولم يعد هناك مجال لاستمرار الحديث بينهما، وتبادل الاثنان فيما بعد رسائل كانت ‏كلها شتائم وعبارات لاذعة، على ان عبارات تلك المرأة التي تشبه الذكور كانت ‏اقذع، عبارات كلها وقاحة وانحطاط دلت على مستواها الوضيع السافل، فعلق ‏حسين قائلا عنها: ان لسانها اطول من جسمها كله.‏
    ثم توجه الى فرنسا، حيث كان ميتران الطف وارق من بوش وتاتشر، فقال له:
    ان ‏الامريكان والانجليز يتحركون طبقا لخطة واضحة امامه ومعروفة وهم قلقون على ‏امدادات البترول وهم مستعدين للعمل العسكري والشيء الذي يجعلهم ينتظرون هو ‏استكمال استعدادهم والسبيل الوحيد لاحراجهم هو الانسحاب العراقي الفوري.. ثم ‏سأل حسين سؤالا مريرا وهو:
    اليس في استطاعة العرب ان يقوموا بدور؟ اين ‏العنصر العربي في الازمة ؟؟
    حاول حسين فيما بعد مع شقيقه حسن وضع تصورات وخطوط عريضة لانهاء ‏الازمة منها انسحاب متزامن لكل من القوات العراقية والاجنبية من منطقة الخليج ‏ورفع الحصار عن العراق وتسوية وضع جزيرتي وربة وبوبيان فيما بعد، لكن ما ‏ادهشه هو ليس عدم وجود احد مستعدا لسماع هذه الاقتراحات، بل رفضها قبل ‏طرحها.‏

    كان الرئيس صدام قد توصل منذ وقت مبكر من الازمة الى ان الامور خرجت من ‏يد الدول العربية قاطبة، وباتت في يد الولايات المتحدة التي امسكت بإحكام بكل ‏خيوط الازمة، لكن حسين كان له رأي آخر وهو ان انسحابا عراقيا سيحرج ‏ويربك الولايات المتحدة، وحين فاتح الرئيس صدام بهذا، نادى الرئيس صدام على ‏الفور رئيس اركان الجيش العراقي الذي كان ينتظر انتهاء اجتماع الرئيس مع ‏الملك لمقابلته، فسأله الرئيس صدام في حضور الملك حسين:
    ماذا سيكون رأي ‏رجال الجيش لو أننا أعلنا الانسحاب من الكويت ؟؟ فرد رئيس الاركان: أعوذ ‏بالله.. رجاء سيدي لا تقل هذه الكلمات.... فطلب منه الرئيس صدام ان ينتظره ‏حيث كان.. والتفت الى حسين قائلا: سمعت بإذنك يابوعبد الله، انهم يريدون اكثر ‏من الكويت..‏
    كانت بغداد تتابع عن قرب ما يجري حولها وقد أدركت ان الابواب كلها باتت ‏موصدة في وجه أي حل..‏
    فالباب العربي اصبح مغلقا بالكامل بعد انتهاء مؤامرة القاهرة التي طبخت بعناية ‏فائقة، فحاول الرئيس صدام حسين ان يرتب بينه وبين فهد لقاء عن طريق ‏السلطان قابوس (الذي اعتاد ان يتخذ موقفا مستقلا مخالفا لكل مواقف دول الخليج) ‏لكن المحاولة لم تنجح اذ ان الولايات المتحدة نفسها لن تسمح بمثل هذا اللقاء،
    بل ‏ان الامير سلطان بن عبد العزيز وواجه مشكلة كبيرة لانه ادلى بتصريح حين ‏استقبل بعض زوراه المهنئين بنجاح عملية الركبة قال فيه:
    ليست هناك اساءة لاية ‏دولة عربية أن تعطي امتها العربية اي مكان ارضا او مالا او مدخلا على البحر ‏وانه كان للعراق حقوق في الكويت فكلنا نلبي هذه المطالب وحق العربي تجاه ‏اخيه العربي يجب ان يؤخذ بكل رحابة صدر ولكن ليس عن طريق القوة... قامت ‏الدنيا ولم تقعد لاجل هذا التصريح لانه اشتم فيه قبول حلول تفاوضية واضطر ‏الامير سلطان ان يعلن ان كلامه نشر محرفا مما خرج به عن قصده... ولعل هذا ‏التصريح يعيدنا الى مقولة ان بعض الامراء الكبار من ال سعود لم يكونوا راضين ‏عن الحل العسكري ابدا.‏

    وباب الامم المتحدة اصبح مغلقا ايضا ولم يكن العراق على اية حال يتوقع ريحا ‏مواتية من الامم المتحدة ولكنه كان يظن الان الاراء سوف تتوزع بما لايسمح ‏بصدور قرارات حاسمة وكانت المفاجأة ان الولايات المتحدة سيطرت بالكامل على ‏اجواء الامم المتحدة وضبطتها.
    وتلاحقت القرارات التي تدين العراق وتحاصره ‏على نحو لم يسبق له مثيل في تاريخ الامم المتحدة وكان هذا مثار دهشة ليس في ‏بغداد فحسب وانما لدى الامين العام للامم المتحدة الذي علق قائلا ان الاعضاء ‏الخمسة الدائمين يتصرفون وكأنهم أعضاء في ناد خاص يجمعهم ود حميم.‏
    والباب السوفييتي مغلقا، فصحيح حصل استياء بين الكولونيلات والجنرالات ‏السوفييت بسبب الانزال الامريكي في المنطقة، لكن شيفاردنادزه كان باردا ‏كالصقيع حين التقى مع طارق عزيز، ولم يناقش معه الا قضية واحدة فقط، وهي ‏متى الانسحاب ؟؟ وان الاتحاد السوفييتي يتبع الان منهجا جديدا في التفكير يراعي ‏المصلحة اولا..‏
    والباب الالماني الياباني مغلقا ايضا، فكلا الدولتين قدرت ان هناك صداما كبيرا ‏قادما وان مفاتيح البترول لسنوات طويلة ستكون بيد امريكا وحدها.‏
    والباب الفرنسي كان مواربا، فالفرنسيون يظهرون ان مستعدون للحركة اذا طلب ‏منهم وبنفس الوقت ليسوا على استعداد لتقديم ضمانات ما بعد الانسحاب ‏وخصوصا اذا تعلق الامر بالولايات المتحدة.‏
    وهكذا، حتى الباب الايراني الذي حاول العراقيون طرقه، اغلق بعد حين عندما قام ‏الاسد بزيارة الى طهران في سبتمبر من نفس العام.‏
    دمت لنا فخراً يا عراق


المواضيع المتشابهه

  1. هل هي مؤامرة جديدة على بعث العراق والامة
    بواسطة imran في المنتدى منتدى قضايا الساعة
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 03-03-2006, 07:07 AM
  2. مؤامرة الجديدة المكشوفة على العراق
    بواسطة منصور بالله في المنتدى منتدى الشؤون السياسية
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 31-07-2005, 11:56 AM
  3. ملاحظات فورية : الى اين وصلت مؤامرة تقسيم العراق؟ - صلاح المختار
    بواسطة الأمين في المنتدى منتدى العراق والمقاومة العراقية
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 01-01-2005, 02:33 PM
  4. ملاحظات فورية : الى اين وصلت مؤامرة تقسيم العراق؟ تحليل مهم
    بواسطة أبو عبد الله في المنتدى منتدى الشؤون السياسية
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 31-12-2004, 05:57 PM
  5. مؤامرة ال نباح
    بواسطة samo في المنتدى منتدى الشؤون السياسية
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 22-07-2004, 05:01 PM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •