السلام من خلال القوة
أوجد تلك الرؤية المعروفة (السلام من خلال القوة) الرئيس ريغان بعد تسلمه الحكم عام 1981, وهو يعني أنه لا يمكن أن يتحقق السلام إلا من خلال القوة .. لقد أضافت تلك الرؤية عاملا جديدا للتسريع في إعادة التسابق على التسلح.. وهذا ما جعل ريغان يرفع مخصصات وزارة الدفاع حتى بلغت بفترتي رئاسته بين عامي 1981و1989 الى 2600 مليار دولار، مع تقديم 60 مليار دولار كمساعدات لحلفائه .. وهذا جعله أيضا يعيب على سلفه (كارتر) باتباع مبدأ المفاوضات مع السوفييت، في حين حافظ على رؤية كارتر بإعطاء الدفاع عن منطقة الخليج معطى أولي ..
كانت الدوافع وراء تشدد ريغان في هذه الرؤية، ما سبق تلك الفترة من تغيرات تمثلت بتبعية نظام نيكاراغوا لكوبا، ودخول الاتحاد السوفييتي لإفغانستان والتغيير الذي حصل في إيران.. وهو الحدث الذي جعل ريغان إطلاق لقب (إمبراطورية الشر) على الاتحاد السوفييتي، وتكثيف الحملات لزرع الكراهية في نفوس أبناء العالم من السوفييت واستغلال تلك الحملة لدفع الأوروبيين لفتح بلدانهم لتكديس السلاح الأمريكي والمساهمة في أثمانه ..
إن هذه السياسة حملت الميزانية الأمريكية الكثير. وكثر الحديث عن إمكانية إفلاس أمريكا إذ كتب اثنان ممن كلفوا بوضع دراسة عن مستقبل أمريكا، عام 1982 من قبل (ريغان) بأن إفلاس أمريكا سيحصل عام 1992. وقد كتب أحد قادة الحزب الجمهوري (السيناتور ريتشارد لوغار) رئيس لجنة العلاقات الخارجية بالكونجرس(سابقا) : (إن الفجوة بين أهداف أمريكا الخارجية وإمكانياتها الذاتية اتسعت بشكل كبير مما أدى الى خلق ما يمكن أن يطلق عليه (الأزمة الأمنية) .. وعلى الرغم من اتفاق الحزبين الجمهوري والديمقراطي على توصيف الأزمة فإنهما اختلفا على طرق علاجها ..
وباختصار فإن سياسة أمريكا الخارجية كانت تقوم على أربعة محاور:
1ـ العلاقة مع الاتحاد السوفييتي، وتقوم على التنافس على دول العالم الثالث، ومنع السوفييت من استغلال علاقاتهم بتلك الدول ..
2ـ العلاقة مع الحلفاء الغربيين وتقوم على إحداث حالة تعاون لا تفتر، ومنعها من الفتور، وتسخير اقتصاد أوروبا للمضي قدما في دعم أمريكا.
3ـ العلاقة مع دول العالم الثالث، وقد تطورت نحو الأسوأ، فبعد أن بدأ تشهد انتعاشا في عهد كارتر لتخليص العالم الثالث من فقره (وقد بدأت بعهد كندي) تراجعت في عهد ريغان لتقوم على تغذية الحروب (في أقاليم العالم) وإنهاك اقتصادها نتيجة ذلك ..
4ـ العلاقة مع المنظمات الدولية، وعلى رأسها هيئة الأمم المتحدة، وكانت ولا زالت لاستغلال تلك المنظمة وتسخيرها لخدمة الأهداف الأمريكية ..
وجهة نظر كيسنجر
يعتبر كبسنجر مع دالاس ووارن كريستوفر أهم ثلاثة وزراء خارجية في تاريخ الولايات المتحدة ولهم فلسفات خاصة بهم تترك أثرها في مجرى السياسة الأمريكية ..
يقول هنري كيسنجر أن على كل دولة أن تجاوب على ثلاثة أسئلة رئيسية على الأقل قبل صياغة سياستها الخارجية:
أ ـ ماذا تعني بمفهوم الأمن القومي؟ أو بعبارة أخرى، ما هي التغيرات الدولية التي لا بد من مقاومتها؟
ب ـ ما هو الهدف القومي؟ بمعنى آخر، ما هي الأهداف التي تسعى لتحقيقها؟
ج ـ ما هي الموارد المتاحة لتحقيق الهدفين؟
لو اعتمدنا تلك التساؤلات لفهم ما جرى ويجري في الولايات المتحدة، لرأينا أن الولايات المتحدة التي كانت بعد الحرب العالمية الثانية تنتج ما يعادل 52% من الإنتاج العالمي، ونظرنا إليها الآن في نهاية 2007 لوجدنا أن الظروف قد تغيرت كثيرا، فلم يعد الأمريكان ولا السوفييت (الروس) هم من يسهم مساهمات كبرى في الانتاج العالمي .. بل صعد قوى مختلفة في العالم تسهم في نسب كبيرة في الإنتاج، ففي حين كانت اليابان قبل 20 عاما أي في عام 1987 تحتل المرتبة الثانية في الإنتاج العالمي، فإنه في عام 2010 ستحتل الصين تلك المرتبة التي كان يحتلها الاتحاد السوفييتي في الخمسينات والستينات من القرن الماضي، والذي سيتراجع (روسيا) الى المرتبة الرابعة بعد اليابان ..
يبدو أن ما كان يسمى بسياسة توازن القوى في المرحلة السابقة، قد اختل بشكل ينتظر بعض الوقت لتسقط فيه كل المعايير السابقة ..